أردوغان يستخدم “آيا صوفيا” أداة لترقيع شعبيته المنهارة
انتقدت الحكومة اليونانية، أمس الجمعة، بشدة قرار سلطات النظام التركي تحويل معلم “آيا صوفيا” التاريخي في اسطنبول إلى مسجد، مشيرة إلى أن ممارسات رجب طيب أردوغان “تعيد تركيا إلى الوراء 600 عام”.
وقالت وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني في بيان: “إن هذا القرار ناجم عن الإرادة السياسية الشخصية لأردوغان”، واصفة إياه بأنه “استفزاز سافر بحق العالم المتحضر بأسره والذي يعترف بالقيمة الاستثنائية والطابع المسكوني لهذا المعلم الأثري”، وأضافت: “إن ممارسات أردوغان تدفع بلاده إلى الوراء ستة قرون”، مشددة على أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا التركية “يؤكد بوضوح غياب أي قضاء مستقل في البلاد”، وبينت أن “اليونان لا تنوي التدخل في شؤون تركيا الداخلية لكن (آيا صوفيا) يشكل معلماً بالغ الأهمية بالنسبة للبشرية بأكملها”.
وجاء هذا البيان تعليقاً على إصدار المحكمة الإدارية العليا التابعة للنظام التركي حكماً بإلغاء قرار الحكومة التركية عام 1934، الذي حول معلم (آيا صوفيا) التاريخي إلى متحف، وتوقيع أردوغان مرسوماً يقضي بفتح المعلم، المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، للعبادة كمسجد وتحويل إدارته إلى رئاسة الشؤون الدينية التركية.
وأعربت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” عن أسفها لقرار النظام التركي، مشيرة إلى أن هذا المتحف هو ضمن معالم التراث العالمي ورمز قوي للحوار، وأي تغيير لوضعه سيؤدي إلى التأثير على عالميته، وقالت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أودري آزولاي إنها تشعر بالأسف الشديد تجاه قرار السلطات التركية تغيير وضع متحف آيا صوفيا، الذي اتخذ دون اللجوء للحوار ولم يكن محل نقاش ولا حتى إخطار مسبق، داعية سلطات النظام التركي “لفتح حوار دون تأخير لتجنب العودة للوراء فيما يتعلق بالقيمة العالمية لذلك الإرث الاستثنائي والذي سيخضع الحفاظ عليه لمراجعة من لجنة التراث العالمي في جلستها المقبلة”.
بدوره أبدى الاتحاد الأوروبي أسفه بشأن قرار سلطات النظام التركي، وقال جوزيف بوريل كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: إن حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة وقرار أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية مؤسفان.
يشار إلى أن معلم آيا صوفيا بني عام 537 ككنيسة، وحوله العثمانيون إلى مسجد بعد استيلائهم على القسطنطينية (اسطنبول حالياً) عام 1453 قبل أن يصدر قرار بتحويله إلى متحف في الثلاثينيات من القرن العشرين.
وأثار قرار أردوغان جدلاً حاداً محلياً ودولياً، حيث تأتي محاولة رئيس النظام التركي بكل الوسائل الممكنة حشد قاعدته الشعبية المحافظة، التي تخلى جزء منها عنه خلال الانتخابات البلدية التي فازت فيها المعارضة العام الماضي في اسطنبول وأنقرة.
ويتهم أكبر أحزاب المعارضة حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي) أردوغان باستغلال آيا صوفيا لجعل الناس ينسون الوضع الاقتصادي المتدهور حالياً، وقالت توغبا تانييري إرديمير الباحثة في جامعة بيتسبورغ: “يبدو أن أردوغان يتصدى لانخفاض شعبيته التي قد تعود أسبابها إلى الصعوبات الاقتصادية” المرتبطة بوباء كوفيد-19.
وكان لافتا أن قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد رغم الاعتراضات الدولية والمحلية، خطوة مفضوحة من أردوغان لترقيع الثغور الكثيرة في شعبيته والتغطية على الأزمات الداخلية وتداعيات تدخلاته الخارجية على الاقتصاد.
وكانت الولايات المتحدة واليونان وزعماء كنائس ضمن من عبّروا عن قلقهم من تغيير وضع المبنى الذي تم تحويله إلى متحف في الأيام الأولى من عمر الدولة التركية العلمانية الحديثة في عهد مصطفى كمال أتاتورك.
وعبّرت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا عبرت عن أسفها لأن النظام التركي لم يعر مخاوفها اهتماماً عندما اتخذ قراره، وقالت: إن القرار قد يثير انقسامات أكبر، وقال المتحدث باسم الكنيسة فلاديمير ليغويدا: “نلاحظ أنه لم يتم الإصغاء إلى مخاوف ملايين المسيحيين”، مضيفاً: إن القرار “يظهر أن جميع المناشدات حول ضرورة التعاطي مع الوضع ببالغ الحساسية، تم تجاهلها”.
وفي نهاية الشهر الماضي، قال البطريرك المسكوني بارثولوميو، وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم، “تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيثير غضب ملايين المسيحيين حول العالم” وسيتسبب في “شرخ” بين الشرق والغرب.
ويتخذ البطريرك بارثولوميو من اسطنبول مقراً له.
ولا تزال آيا صوفيا اليوم متحفاً يزوره ملايين السياح كل عام. وفي العام الماضي، كانت الموقع السياحي الذي جذب أكبر عدد من السياح في تركيا، بلغ 3.8 ملايين شخص.