أطماع أردوغان في بلد الشهيد عمر المختار
إبراهيم أحمد
باتت واضحةً أبعاد المخطّط التركي الذي ينفّذه أردوغان الحالم ببعث الإمبراطورية العثمانية على حساب الدول العربية، فقد بدأ النظام التركي مؤخراً يكشف حقيقة أطماعه في نهب خيرات ليبيا واحتلال أراضيها وتعامله معها كأنها إحدى غنائم ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، وتحويلها إلى منصة لمزيد من التمدّد في أفريقيا. ومن يتابع السلوك الأردوغاني اليومي يرى، دون عناء، أبعاد النوايا الخبيثة المبيّتة لحكومة أردوغان وأطماعها الخفية والعلنية بخيرات المنطقة.
ويمكن القول إن الأطماع التركية هذه ليست وليدة الساعة، وإنما تعود إلى عقود سابقة، فالأطماع التركية التاريخية في المنطقة، والتي تسعى إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية، هو ما يبدو واضحاً في أبواق الدعاية التركية من خلال الترويج بأن تركيا بوسعها استعادة أراضٍ كانت تابعة لها، إذا حرّكت دعاوى قضائية في المحاكم الدولية. وهو ما يكّرره أيضاً الكثير من السياسيين والإعلاميين والمحلّلين الأتراك، وفي مقدمتهم أردوغان نفسه الذي ادّعى، في أوائل كانون الثاني الماضي، أن ليبيا إرث لأجداده، وفيها مليون تركي يحتاجون إلى حمايته ودفاعه عنهم، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصة ضريح سليمان شاه في الأراضي السورية، والذي كان إحدى الذرائع الواهية للتدخل التركي في سورية، بحجة أن سليمان شاه جد مؤسّس الدولة العثمانية، عثمان الأول، وعاش في الفترة ما بين عامي 1178 و1236 للميلاد.
علاوة على ذلك، تضخّمت المطامع الأردوغانية بعد الاكتشافات النفطية والغازية الكبيرة في المنطقة، حيث تجد تركيا نفسها خارج حدود هذه الثروة الطبيعية، بسبب موقعها الجغرافي، وبعدها نسبياً عن المناطق التي اكتشفت فيها الثروة الغازية، ولذلك راحت تعمل عن طريق البلطجة على فرض نفسها كشريك لدول شرق المتوسط في الثروة الغازية والنفطية، وهو ما يُفسّر اتفاقية الحدود التي وقعّتها مع حكومة السراج، وتدخلها السافر في الأزمة الليبية.
من الواضح أن النظام التركي يطمح لنهب خيرات ليبيا والمنطقة عامة، واحتلال أراضيها وتحويلها إلى منصة لمزيد من التمدّد في أفريقيا، وخاصة الضفة الجنوبية للمتوسط، مستغلاً ذرائع واهية لا وجود لها إلا في مخيلته الانكشارية المريضة التوسعية. ويرى المراقبون أن مراكز النفوذ الإخواني في تركيا لا تخفي أطماعها في السيطرة على المنطقة اعتماداً على الإخوان المسلمين العرب، الذين أعلنوا تبعيتهم لمشروع أردوغان وعدم اعترافهم بدولهم الوطنية أو بسيادتها. ومن هنا تبدو الأهداف الحقيقية لأردوغان الرامية إلى إطالة أمد الأزمة الليبية، زد على ذلك أن التدخل العسكري التركي قد يشكّل مرحلةً جديدةً من تدويل القتال في هذا البلد العربي، فالسفاح أردوغان يريد استثمار اعتراف واشنطن بحكومة الوفاق منتهية الصلاحية لتمرير مشروعه الاستعماري في ليبيا.
إن الأهداف العلنية والسرية لتركيا جعلت أنقرة وأتباعها في ليبيا، يرفضون المبادرة المصرية المتسقة مع الجهود الدولية المتعددة ذات الصلة، ولاسيما في ما يتعلق بالحفاظ على المؤسسات الوطنية الليبية، وتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي التي تساهم في تأجيج الأزمة، والانعكاسات السلبية على أمن واستقرار الشرق الأوسط. ومقابل ذلك حاول أردوغان تأجيج التوتر بين واشنطن وموسكو حول ليبيا، مستغلاً مطالبة نواب أمريكيين للرئيس ترامب بتفعيل “قانون قيصر” بشأن سورية، وهذا ما يراهن عليه أردوغان في صراعه مع روسيا في سورية من أجل تسهيل مهمته الاستعمارية في ليبيا أيضاً. ويذكر أن أنقرة جنّدت الآلاف من المرتزقة السوريين المقيمين في تركيا، إضافة إلى عناصر إرهابية من فلول “داعش” و”النصرة”، وعدد غير محدّد من المستشارين والجنود الأتراك ودفعت بهم إلى ليبيا.
لقد تحوّلت ليبيا في الآونة الأخيرة إلى أكبر مسرح من مسارح الحروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، وهناك كثير من القوى الخارجية المشاركة في تلك الحرب. وإضافة إلى التمويلات القطرية السخية كالمعتاد للطاغية أردوغان، هناك الشبكة الدولية لـ”جماعة الإخوان” التي تشرف على جهود الإمداد اللوجستي بالعناصر المقاتلة التي تدعم أوصال حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس.