فلتان الأسعار يرهق الأسرة الحلبية.. فهل نتشدد في الرقابة والعقوبات ؟
حلب- أيهم ناعسة
لا يختلف اثنان على أن صورة المشهد المعيشي وأوضاع معظم الناس أضحت قاتمة جداً، فالأسعار في ارتفاع جنونيّ مستمر، والفئات النقدية الرئيسية تدخل طور فقد قدرتها الشرائية، إلى جانب الركود غير المفهوم في معظم مفاصل وأساسيات عجلة الإنتاج بمختلف أنواعه ومجالاته، رغم الجهود الحكومية -غير المثمرة حتى الآن- لإنعاش الاقتصاد، ويتوّج كل ذلك بغياب الضمير والوازع القيمي والأخلاقي بشكل كامل عند عالم التّجار وحيتان الأسواق، فالشفافية والصدق في التعاطي مع الأزمات المعيشية معدوم، والمبادرات الرسمية أو الأهلية أو المجتمعية خجولة كالرجل المريض الذي يعاني من سكرات الموت. ولاشك أن الحرب الاقتصادية والحصار الجائر لهما بالغ الأثر في تدني قيمة الليرة وتدهور الأوضاع المعيشية، لكن من غير المعقول ومن غير الأخلاقي أن يصبح معظم المتحكمين بالأسواق والاقتصاد “قياصرة” حتى قبل أن يدخل “القيصر” الأمريكي حيّز التنفيذ!.
وفي استطلاع لآراء بعض الناس في بعض أسواق حلب الشعبية (سوق باب جنين، سوق الرازي، سوق الأشرفية) عن الأسعار وحركة البيع والشراء، ثمّة إجماع على أن حياة الأسرة السورية أصبحت صعبة جداً لجهة تأمين احتياجات الحياة اليومية، حيث فاق ارتفاع الأسعار جميع التوقعات، وخاصة فيما يخصّ الضرورات الأساسية من المواد الغذائية والاستهلاكية، في وقت أشادت بعض الآراء بدور مؤسّسات التدخل الإيجابي، رغم أن هذا الدور لم يرتقِ لمستوى التحكم بحركة السوق، ولم يحدث الفارق الواضح بينها وبين بضائع السوق، بغضّ النظر عن المواد الغذائية المدعومة من قبل الحكومة. وحول التوقعات المستقبلية لجهة واقع الحياة المعيشية، افترضت الآراء السيناريو الأسوأ بحدوث مزيد من الارتفاعات على الأسعار، بحيث يكون هناك فجوة كبيرة جداً بين واقع السوق والأسعار ومحدودية الدخل، وهناك آراء تنظر بإيجابية لإمكانية التحسّن والاستقرار والانتعاش التدريجي.
أحمد سنكري طرابيشي، مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أكد على حسن سير العمل التمويني في المحافظة وريفها، والعناصر تعمل بطاقتها القصوى على الرغم من وجود مصاعب متعلقة بنقص الكوادر والآليات، فمجموع المراقبين عن كامل حلب وريفها 35 مراقباً تموينياً فقط، وحكماً هذا الرقم غير كافٍ وأغلب الدوريات تتمّ بطريقة راجلة، وهذا يعني وجود جهد مضاعف ومتاعب كبيرة لتغطية القطاعات البالغ عددها 13 قطاعاً، حيث بلغ عدد الضبوط التموينية خلال النصف الأول من العام الجاري بحدود 3 آلاف ضبط، منها ضبوط عينية، إضافة إلى الضبوط العدلية، ومنها مثلاً عدم الإعلان عن الأسعار، أو الامتناع عن البيع، أو البيع بسعر زائد.. وغيرها، والهدف الرئيسي يتجسّد في حماية المستهلك وتحقيق التوازن المطلوب في عملية البيع والشراء من خلال تشديد الرقابة واتخاذ إجراءات مشدّدة بحق المخالفين، مبيناً أن الضبوط لا تمثّل الحلّ السحري ولا تؤدي إلى الضبط التام للأسواق وتخفيض الأسعار وتحقيق التوازن المطلوب، فمثلاً رغم عشرات الشكاوى والضبوط التي كانت تنظم بحق المخالفين من مشغلي الأمبيرات، إلا أن أسعارهم لم تخفض، وبقيت المشكلة قائمة، لذلك لابد من تعديل القانون رقم 14 لعام 2015، لجهة أن تكون العقوبات شديدة ورادعة وذات جدوى.
وعن واقع الأفران العامة والخاصة ومدى توفر رغيف الخبز الجيد، ولاسيما بعد تطبيق تجربة توزيع الخبز عبر البطاقة الإلكترونية في دمشق وريفها، حيث تمّ توفير 90 طن طحين يومياً، وحيث يسيل لعاب الكثيرين من أصحاب الأفران وغيرهم على الطحين المدعوم من قبل الدولة، إذ تحصل الأفران على طن الطحين المدعوم بـ 18 ألف ليرة ويصل سعره في الأسواق غير النظامية إلى أكثر من 300 ألف، ما يفتح الباب واسعاً أمام التهريب والتلاعب، وحالياً يوجد مقترح لتوزيع مادة الخبز عبر البطاقة الإلكترونية والمعتمدين بحسب عدد أفراد العائلة لمنع التلاعب والاتجار بالمواد المدعومة. بيّن طرابيشي: بشكل عام، تشهد حلب نوعاً من التوازن في مادة الخبز، وكمية الطحين المخصّصة للمحافظة هي 625 طناً يومياً، وهي -حسب الواقع- كمية غير كافية. ومن هنا، الأولوية تتركز على تشديد المراقبة على حركة سير الطحين على الأفران العامة والخاصة، والبالغ عددها 170 فرناً، ومكافحة التهريب والتلاعب، وعندما يحصل الفرن على طن طحين سوف يعطي بالمقابل 925 ربطة خبز، وعندما تتمّ عملية الضبط الدقيق للطحين يمكن ببساطة ضبط المواد المدعومة الأخرى (المازوت والخميرة)، وحالياً يمكن الاعتماد على عدد من المعتمدين في المناطق البعيدة التي تفتقر للأفران في إيصال المادة إلى الأهالي.
وفي إطار توسيع دائرة التحرك لمؤسسات التدخل الإيجابي، قال طرابيشي: يتمّ التحرك في الاتجاه الصحيح، ونعمل لتؤدي صالات السورية للتجارة في المستقبل دورها على أكمل وجه وأن تكون منافساً كبيراً في السوق، وتحتل مكانة التاجر الأقوى والأكثر تأثيراً، وذلك من خلال تغذيتها بمواد غذائية واستهلاكية عالية الجودة ومطابقة للمواصفات القياسية السورية وطرحها للبيع ضمن هامش ربح صغير، وبالتالي تكون أسعارها أقل من السوق بحدود 20- 30%.
وفيما يخصّ سلامة الغذاء، شدّد طرابيشي على عدم التهاون بهذا الصدد، لأن سلامة الغذاء موضوع أساسي وحيويّ وخطير كونه يهدّد بشكل مباشر الصحة والسلامة العامة. وفي هذا الشأن، يلعب وعي المواطن دوراً بارزاً في كشف مواقع المواد الغذائية الفاسدة أو منتهية الصلاحية، أو مجهولة المصدر، وقد جاء القانون 14 لعام 2015 الخاص بحماية المستهلك بعقوبات شديدة.
ودعا طرابيشي لتعزيز ثقافة الشكوى التي تساعد كثيراً في ضبط السوق ومحاسبة المتلاعبين، وتكون الشكوى إما بالاتصال على الرقم 119، أو بالتصاريح الخطية، لأن المستهلك هو المتضرّر الأول في حال عدم الشكوى، فضلاً عن تكاملية العمل التمويني.. مثلاً، يدخل المراقب التمويني إلى محل تجاري يكون صاحبه ملتزماً بوضع أسعار النشرة التموينية، لكن عند البيع لا يلتزم بهذه الأسعار، ويبيع بأعلى.. في هذه الحالات، نحن -كجهة مراقبة- نحتاج إلى شكوى لأن المواطن هو الشريك الأول في ضبط الأسواق، مع التأكيد على أهمية المراقبة الإلكترونية عبر الكاميرات للمفاصل الحيوية (المطاحن، المحروقات، الأفران.. إلخ)، والعمل التشاركي للوصول إلى التوازن الإيجابي في السوق، وفي عملية العرض والطلب وتوفير الاحتياجات والضرورات الأساسية.
وفي مضمار توضيح دور مؤسّسات التدخل الإيجابي، بيّن عبد الحميد مسلم، مدير فرع السورية للتجارة بحلب، أنه ضمن الظروف السائدة من ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الحياة المعيشية، يتمّ التوجّه نحو تأمين المواد الأساسية من خلال اعتماد أسلوب الاستجرار المباشر، بمعنى بناء علاقة مباشرة ما بين الصناعي أو المستورد أو التاجر مع المؤسسة، بهدف اختصار حلقات الوساطة ووصول المواد إلى الناس بأرخص الأسعار وجودة عالية.
وفيما يخصّ تقاسم وتحمّل المسؤولية المجتمعية في زمن الأزمات، انتقد مسلم الصناعيين والتّجار وأصحاب رأس المال بسبب عدم قيامهم بدورهم الاجتماعي المطلوب، رغم أنهم يعتبرون جزءاً رئيسياً في عملية التنمية الاقتصادية، لكن في المناسبات التي تتضمن مكاسب ومنافع وأرباحاً، و”بروظات” تجدهم في الصفوف الأولى!.
وحول واقع الصالات ومنافذ بيع السورية للتجارة في حلب والخطط المستقبلية، أشار مسلم إلى أن عدد الصالات هو 62، بواقع 57 مدينة و5 ريف، وهناك خطة لافتتاح وتفعيل 13 منفذ بيع خلال 3 أشهر في الريف الغربي المحرّر، والذي يضمّ تجمعات سكانية، ومنها العيس، والزربة، وحريتان، وعبطين، واورم.. وغيرها.
وعن آلية توفير البضائع في الصالات، يوضح مدير فرع المؤسسة: نحصل على البضائع من خلال نظام توريد بالأمانة وبأسعار مدروسة أقل من أسعار السوق بنسبة تزيد عن 10%.
وحول المواد المدعومة وإجراءات توزيعها عبر البطاقة الإلكترونية، أكد مسلم أنها تباع بأسعار مدعومة بفارق كبير عن السوق، وهي أسعار ثابتة بواقع 350 لكيلو السكر و400 لكيلو الرز، وتقوم الجمعيات التعاونية بالدور الداعم والمساعد نفسه، ويوجد 26 جمعية تعاونية، فضلاً عن توزيع أجهزة القراءة على البلديات والمنظمات، ومجموع المنافذ التي تقوم بالتوزيع اليومي والمباشر للمواد المدعومة يتجاوز 155 منفذ بيع.
ومن ناحية التسعيرة ضمن الصالات، يوضح مسلم: الصالات تلتزم بأسعار النشرة التموينية الصادرة عن مديرية التجارة الداخلية وتخضع لرقابتها، ومعظم المواد والبضائع تشتريها الإدارة وتأتي مسعّرة، وباقي المواد تسعّر على قاعدة أسعار الشراء زائد هامش ربح بسيط لتغطية النفقات، والأسعار الجديدة تحاكي حركة السوق كون التّجار مصدر الحصول على البضائع، أما المواد المدعومة فتأتي من الحكومة.