هل يتفاعل طلبة الجامعة مع التعليم عن بعد.. ماذا ينقص جامعاتنا لنجاح التجربة؟!
بعد الحجر الصحي الذي فرضته دول العالم خوفاً من تفشي فيروس كورونا اعتمدت الجامعات على “التعليم عبر الانترنت” منها من نجح وحقق تفاعلاً جيداً مع الطلبة بإتباع الطرق اللازمة وبعضها تعثر أو لم تنجح بالشكل المطلوب لأسباب عديدة، لكن بالمحصلة كانت التجربة مفيدة للجامعات وأسست لمرحلة مستقبلية سيكون فيها التعليم عن بعد أساسياً في العملية التعليمية.
في جامعاتنا توقفت الحياة الجامعية لمدة أكثر من شهرين ولم تحاول أية جامعة من الجامعات السبع إقامة محاضرات عبر الانترنت، باستثناء الجامعة الافتراضية السورية التي هي بالأساس قائمة على هذا النوع من التعليم، لكن ماذا لو تفاقمت حالات الإصابة بكورونا واضطررنا للحجر مجددا ولفترة طويلة، هل ستبقى جامعاتنا مغلقة الأبواب عاجزة عن الاستعانة بالانترنت لمتابعة العملية التعليمية؟!
مكمل ضروري!
الدكتور وائل معلا يرى أن التعليم الالكتروني لم يعد خياراً نأخذ به أم لا نأخذ بل بات حقيقة واقعة ويجب أن يدخل في صلب العملية التعليمية في جامعاتنا، لا ليحل مكان التعليم التقليدي وإنما ليكون مكملا له.
وأشار إلى استطلاع للرأي أجراه مؤخراً معهد سنغافورة للتكنولوجيا بهدف استكشاف مدى انخراط الطلاب في العملية التعليمية بعد ستة أسابيع من التعلم عن بُعد، شارك بالاستطلاع ما يقارب الـ 1000 طالب وبحسب نتائجه، وافق ما يقرب 60% منهم على أن الدروس عن بعد كانت واضحة وأنهم تمكنوا من مناقشة واستيضاح أي غموض صادفوه. ومع ذلك ، أفاد أكثر من نصف الطلاب أنهم عانوا من الانضباط الذاتي وإدارة الوقت وأن الواجبات التدريسية تراكمت نتيجة المماطلة والتأجيل.
ولفت الدكتور معلا إلى أن نتائج الاستطلاع أظهرت مدى أهمية مشاركة الطلاب في التدريس الفعال عن بعد ، فعلى سبيل المثال تبين من الدراسة أن العديد من الطلاب وجدوا مربع الدردشة على منصات الإنترنت مفيدة بشكل خاص، حيث يمكنهم طرح الأسئلة أثناء المحاضرات الحية وأنهم يقدرون المحاضرات المسجلة لأنها تتيح لهم مراجعة المحتوى مرات عديدة، ويمكن لعملية التعلم أن تتم بالسرعة التي تناسب المتعلم.
ويرى العديد من خبراء التعليم العالي أن أحد الإيجابيات الحقيقية للتعليم عن بعد هو أن الحديث بات الآن يتمحور حول التدريس الفعال وأنه بمجرد الانتقال إلى التعليم عبر الإنترنت ، تغيرت طروحات المعلمين من: “كيف يمكنني نقل محتوى مساقي التعليمي ليصبح عبر الإنترنت؟” إلى: “كيف يمكنني تدريس هذا المساق بفعالية عبر الإنترنت حتى يتعلم طلابي؟”
وقال الدكتور معلا “أنا اتفق مع معظم النتائج التي توصل إليها استطلاع المعهد فالتعليم عبر الانترنت أصبح حقيقة واقعة كونه بات مكملاً أساسياً للتعليم التقليدي”.
تحديات غير مسبوقة!
برأي الدكتور صفاء أوتاني نائب رئيس جامعة دمشق لشؤون التعليم المفتوح أن الإجراءات المتعلقة بالإغلاق العالمي والمرتبطة بمواجهة كوفيد-19 فرضت تحديات غير مسبوقة على الجامعات التي كان عليها – دون أي تأخير- إحداث تغييرات جدّية في أنماطها التعليمية وفصولها التقليدية لصالح التعليم عبر الإنترنت، مشيرة إلى الاهتمام بالمراجعة والتقييم بعد فترة وجيزة جدا من التحول والتطبيق “الاضطراري”، لأن ذلك أمر مهم من أجل رصد نقاط الضعف، وتحليل التحديات لتصل إلى نتيجة مفادها أن عليها الاستثمار الأمثل ليس فقط في التكنولوجيا، ولكن أيضاً في التنمية البشرية المهنيّة للطالب والمعلّم بآن معاً بما يتناسب مع متطلبات التعليم عن بعد، وبالتالي عليها أن تتحقق من مدى قدرة الطالب على المشاركة بفاعليّة في العمليّة التّعليميّة، وتحقيق أهدافها فضلاً عن معاينة مدى قدرة المعلًم على إتباع أساليب وطرائق لدعم تعلّم الطلاب، وتعليمهم المهارات المرتبطة بالتنظيم الذاتي.
ولفتت أوتاني إلى أن الكثير من الموضوعات العلمية يصعب للغاية تدريسها بأسلوب التّعليم الإلكتروني البحت، خاصة تلك المتعلقة بالمهارات العالية.. وربما يكون استخدام التّعلّم الخليط أو المدمج (وهو ما أعتقد أن الجامعات تفكر جدياً باللجوء إليه مع أيلول القادم) ليصبح أحد المسارات البديلة أمام قطاع التعليم العالي طالما أن منظمة الصحة العالمية لا تنفك تحذر من دخول العالم في مراحل جديدة وخطيرة من وباء كورونا!!.
ماذا عن جامعاتنا؟
ورداً على سؤال: هل تتوفر في جامعاتنا البيئة المناسبة لإنجاح تجربة التعليم عن بعد؟، أوضحت الدكتورة أوتاني أن التحديات ليست بسيطة بهذا الخصوص. ويمكن إجمالها بثلاث، الأولى تتعلق بالبنية التحتية والتكنولوجيا، وهو تحدٍ يفرض نفسه في بلدنا بعد حرب أكثر من تسع سنوات تضررت فيها المراحل التي كنا قد قطعناها بشكل واضح.
والتحدي الثاني برأي أوتاني، يتعلق بالموارد البشرية وتطوير مهارات استخدام التكنولوجيا في التعليم مع الإشارة إلى أن هناك تفاوت كبير في المستوى بين كوادر الكليات التطبيقية والنظرية، أما التحدي الأهم فهو المحتوى أو تصميم المناهج وتطوير المواد الدرسية بما يتلاءم مع هذا النوع من التعليم.
وأعربت عن أملها بالاستفادة من تجربة الجامعة الافتراضية السورية التي باتت تقيم على أنها ناضجة ويمكن الاستلهام منها.
أُميّ القرن الحادي والعشرين!
وبيّن الدكتور فادي الشلبي أن التطور الحاصل في الأدوات الرقمية التي يمكن إدماجها واستعمالها في التعليم عن بعد مذهل جداً وسريع جداً، وأكد أن الطلاب يجدون التعليم الالكتروني فعالاً وممتعاً، وعلى صعيد التعليم الغير أكاديمي فإن نسبة الرضا والانخراط تكون عالية أكثر، مضيفاً: يوماً بعد يوم يثبت التعليم عن بعد قدرته على أن يكون رديفاً مهما وأساسياً في العملية التعليمية وأود التأكيد أن المهارات الرقمية التي يتعلمها الطالب من خلال انخراطه في التعليم عن بعد تكتسب أيضاً أهمية كبيرة في عصرنا الحالي ومن لا يمتلكها ربما سيوصَف بأُميّ القرن الحادي والعشرين.
بالمختصر، التعليم عن بعد بات حاجة ضرورية لا يمكن إهمالها وهذا حالة طبيعية للتطور التكنولوجي الهائل، وعلى جامعاتنا أن تعد العدة للتعامل مع هذه التقنية بشكل جيد لتكون داعماً ومكملاً للتعليم بالطريقة التقليدية التي تعتمد التلاقي والتفاعل المباشر بين الأستاذ والطالب.
الموضوع يحتاج لرؤية صائبة لأنه بمثابة تحدٍ في القرن الحالي، وهذا يحتم على المعنيين في جامعاتنا التفكير بجديّة بهذا الخصوص لتحسين العملية التعليمية، لتكون مواكبة لتطورات ومتطلبات العصر.
بالأرقام !!
حسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو، بتاريخ 10 آذار – 2020، أفاد بانقطاع 290 مليون طالب وطالبة على مستوى العالم عن الذهاب إلى المدرسة والجامعة بسبب فيروس «كورونا» المستجد.
أمام هذا الرقم الكبير يتضح لنا كم هو هام تفعيل التعليم عن بعد لضمان استمرار العملية التعليمية دون انقطاع!.
غسان فطوم