الكتاب إلى أين؟!
أكرم شريم
في نظرة سريعة إلى وضع الكتاب في حياتنا نجد أنه قد بدأ ينزاح من أمامنا بشكل مباشر أحياناً وبشكل غير مباشر، هذا الكتاب الذي علمنا وعلم كل شعوب الأرض في بدايات التعليم في المدارس الأولى إلى نهايات التعليم في أعلى صفوف الجامعات، والذي قدم لنا كل تاريخ البشرية بكل لغات العالم، كما يجتهد دائماً بتقديم كل الأجناس الأدبية لنا، ويضعها بين أيدينا وفي بيوتنا ومكتباتنا في كل مكان وزمان في هذا العالم وفي كل لغات العالم من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة ودواوين الشعر، والكتب النقدية والفكرية والسياسية انظروا الترجمة ما أعظمها حين تصل بين الشعوب هذا الكتاب الإعجازي الحبيب، ومن كل لغة إلى العديد من لغات العالم، هذا الكتاب العزيز الغالي، يعيش هذه الأيام أسوأ أيامه وأصعب ظروفه ويزيدنا حزناً عليه هذا الغلاء في أسعار الورق، وبالتالي في أسعاره لدرجة أنك حين تسأل صاحب مكتبة عن عمله وكيفية الأحوال عنده يقول لك: أنا في اليوم كله لا أبيع كتاباً واحداً!.
والأهم من كل ذلك موضوع التسعيرة، فقد كنا نطبع الألف نسخة بخمسين ألف أو ستين ألف ليرة سورية، بينما اليوم تكلفة طباعة الألف نسخة ومن الحجم المتوسط تزيد عن المليون ليرة سورية، بل إنها للكتاب وبالتحديد تبدأ من المليون فما فوق وإلى المئتي ألف فوق المليون وأكثر، وكل هذا الكتاب الذي بحجم متوسط!.
ومن الأمور اللامعقولة في حياة الكتاب الحالية أنك تعطي المكتبة أربعين أو خمسين نسخة من كتابك وتأخذ منه كتاباً بتسلمه هذه النسخ منك لكي يعرضها في مكتبته وتعود إليه بعد خمسة أشهر أو ستة أشهر وتنظر فتجد أن نسخاً كثيرة من كتابك غير موجودة وتسأله: كم بعت لي من الكتاب فيقول لك وبكل انزعاج: أنا لم أبع منه شيئاً ولا أعرف أين ذهبت هذه النسخ فتقول له: أعطيتك خمسين نسخة ويعلو صوته وهو يؤكد: لا أعرف أين ذهبت هذه النسخ ولم أبع شيئاً منها، ومن الغريب بل من المزعج أكثر أن هذا التصرف من المكتبة وصاحب المكتبة لا يحدث معك من مكتبة واحدة أو من صاحب مكتبة واحد، بل من كل أصحاب المكتبات، وكأنها اتفاقية عامة، وموجهة من قبل الجميع، ألا يدفعوا لك شيئاً، وذلك عمداً وبغاية مواجهة بيع الكتاب وتقاضي ثمنه حتى ولو من دون أرباح، ما جعل كثيراً من الكتاب يطبعون كتبهم ويعمدون إلى إهدائها مجاناً إلى كل من يعرفون من الزملاء والأصدقاء والأهل والجيران وغيرهم، وهكذا تكون النصيحة اليوم أن نعود إلى الكتاب ونعيده إلينا بتوزيعه مجاناً على القراء حتى يظل موجوداً في حياة الناس وقلوبهم ومشاعرهم!.