اتهامات “فلاحية” تطال “السورية للتجارة” وأسواق شعبية تحولت إلى مضافات مزركشة
لم يشفع المركز الأول عربياً بإنتاج الكرز والثالث بالمشمش عند المحتكرين والجشعين من التجار، لتحلّق أسعار هذه المحاصيل المحلية، ويبقى المستهلك عاجزاً عن إدخال الفواكه بأنواعها، وخاصة الكرز والمشمش، على مائدة طعامه، حيث وصل كيلوغرام المشمش إلى 2500 ليرة، والكرز إلى 2000 ليرة، ومع ذلك يستغرب الفلاح كونه لم يحلم يومياً أن تصل مبيعاته إلى هذه الأسعار، حيث يستغل التاجر غلاء تكاليف النقل والتسويق بالنسبة للفلاح، فيقوم بالشراء من المنتج بأسعار زهيدة لا تغطي كلفة الإنتاج، حسب تأكيدات الفلاحين الذين يلوحون بعزوفهم في المواسم القادمة عن الزراعة، وخاصة بالنسبة للأشجار المثمرة التي تحتاج لعناية خاصة، ومستلزمات إنتاجية يصعب تأمينها في ظل الظروف الحالية، والغلاء الحاصل، ما يجعل الفلاح ضحية التجار والسماسرة، وخاصة أن التاجر يتحكم بأرزاقهم من خلال إضافة رسوم كبيرة على النقل مع ثمن العبوات المرتفعة، لتصل الفاتورة في النهاية إلى أرقام منخفضة لا تتناسب مع التكاليف المرتفعة جداً، مطالبين للمرة الألف بتسويق منتجاتهم مباشرة من قبل الحكومة بدلاً من استغلال التجار.
واعتبر العديد من الفلاحين أن فكرة الأسواق الشعبية لم تحقق الغاية المرجوة من إحداثها، كون التجار مازالوا يسوقون المنتج ليتم بيعه بأسعار مرتفعة في الأسواق الأخرى، ما أفقد الأسواق الشعبية بريقها.
ويرى متابعون أن البلديات لم تبد تعاوناً مع الجهات المعنية بخصوص الأسواق الشعبية، لافتين إلى تغني بعض البلديات بالأسواق المحدثة رغم أنها لم تخدم منتجات الفلاح، أي لم تكن من المنتج إلى المستهلك، بل من سوق الهال إلى المستهلك.
ويتفق رئيس اتحاد الفلاحين في دمشق وريفها محمد خلوف مع أصحاب هذا الرأي، متهماً البلديات بالتقصير والترهل فيما يتعلق بإحداث الأسواق الشعبية، إضافة إلى وجود أسواق شعبية لا تلبي الطموح ولا تفي بالغرض، حيث تعتمد على تسويق بضائع التجار من سوق الهال بدلاً من منتجات الفلاحين، مشبهاً تلك الأسواق بالمضافات المفروشة بالسجاد ومزينة بأبهى صورة فقط، ولكن ليست للمزارعين رغم تدني الأسعار فيها من أجل الدعاية والإعلام كأسواق جرمانا، وذلك حسب تأكيدات متابعين.
ولم يخف خلوف تقصير “السورية للتجارة” بعملية التسويق الزراعي، وعملية الشراء المباشر من الفلاحين، ما يخفف الأعباء على الفلاح والمستهلك بآن معاً، كون السورية للتجارة ستشتري المحاصيل بأسعار مقبولة للفلاح، وفي الوقت ذاته سيباع في صالاتها للمستهلك بأسعار معقولة، وفي نظرة عامة على صالات “السورية للتجارة” يرى المواطن الفواكه بأسعار مرتفعة وبنوعية عادية ومسوقة عبر التجار والسماسرة.
ويوضح مدير “السورية للتجارة” في ريف دمشق باسل طحان أن المؤسسة قامت بإرسال سيارات إلى محافظة درعا لتسويق البطاطا والخضار الأخرى، ليتم بيعها في الصالات بأسعار مقبولة، مشيراً إلى أهمية التعاون مع الجهات المعنية، وتشابك الأيدي من أجل تسويق المحاصيل الزراعية من الفلاحين مباشرة، وبيّن طحان أن المؤسسة لديها خطة مسبقة حول ضرورة الاعتماد على منتجات المزارعين، وإلغاء دور الوسطاء، ضمن الإمكانيات المتاحة، وخاصة في ظل قلة السيارات في الفرع.
ويعتبر خبراء اقتصاديون أن عملية التسويق الزراعي أحد الأعمدة الأساسية في العملية الزراعية، ووصول المنتج إلى المستهلك في أجود وأحسن صورة وبأسعار مناسبة، ولا يقتصر التسويق الزراعي على المنتجات الزراعية، بل يمتد إلى التصنيع الزراعي للمواد والسلع الزراعية التي يحتاجها المستهلكون طوال العام، ويمتد التسويق ليشمل أيضاً التعبئة والتغليف والنقل والتخزين.
ويرى خبراء أن الإنتاج والتسويق عمليتان متكاملتان مترابطتان لا يمكن الفصل بينهما، ويعتبر التسويق عاملاً مكملاً للإنتاج أو معرقلاً له، فلا فائدة من الإنتاج إذا لم يجد له سوقاً للتصريف، ويحقق ربحاً يفوق تكلفة الإنتاج المادية، مضافاً إليه التعب الجسدي الذي يبذله المزارع خلال العام.
أما مدير زراعة ريف دمشق المهندس عرفان زيادة فدعا إلى ضرورة فتح مراكز تسويقية، “السورية للتجارة”، في القرى وأماكن الإنتاج، ليتم الشراء من الفلاح، وعدم إفساح المجال للتجار والسماسرة بإقناع الفلاح والشراء منه بأسعار زهيدة لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج، مشيراً إلى أهمية إيجاد صيغة مشتركة لإيصال المستلزمات الزراعية، وخاصة الأسمدة والمبيدات الحشرية كونها مكلفة جداً للفلاح.
وحول إنتاج القمح بيّن زيادة أنه تم تسليم مؤسسة الحبوب 20 ألف طن حتى الآن، علماً أن الإنتاج المتوقع في المحافظة يصل إلى 45 ألف طن.
يشار إلى أن سورية في المرتبة الثالثة عربياً بعد المغرب والجزائر، والتاسعة عالمياً بإنتاج المشمش، وفقاً لمدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة عبد المعين قضماني الذي قدّر إنتاج سورية من هذا المحصول بـ 36324 طناً، حيث أشار إلى الإجراءات المتخذة من قبل الوزارة لدعم وتطوير زراعة المشمش، كإنتاج الغراس وتوزيعها بأسعار رمزية على الفلاحين، إذ بلغ عدد الغراس المنتجة الموسم الماضي 238180 غرسة مشمش بذري، بيعت بـ 150 ليرة للغرسة الواحدة، و49320 غرسة مشمش مطعّم، بيعت الواحدة بـ 300 ليرة، بينما خطة هذا العام هي إنتاج 184 ألف غرسة بذري، و51 ألف غرسة مطعّم.
كما بيّن أن إنتاج الكرز في سورية لهذا الموسم يقدّر بحوالي 49896 طناً، لافتاً إلى أن سورية تحتل المرتبة الأولى عربياً، والسادسة عالمياً في إنتاج هذه الفاكهة.
وأكد قضماني أن الوزارة أنتجت الموسم الماضي 51265 غرسة محلب، و74527 غرسة كرز مطعّم، تم بيعها للفلاحين بأسعار رمزية بـ 150 ليرة لغرسة المحلب، و300 ليرة للكرز المطعّم كنوع من الدعم للفلاحين، مشيراً إلى أن خطة هذا العام هي إنتاج 46 ألف غرسة محلب، و104 آلاف غرسة كرز مطعّم.
وفي نهاية القول فقد وصل الفلاح إلى مرحلة اليأس من الوعود والتصريحات الرنانة والأرقام التي لا تتجاوز الورق المكتوب عليها، فلم يعد متفائلاً من نتائج الجولات الخلبية، فالتسويق الزراعي بحاجة إلى ربط الأقوال بالأفعال، وتدخل الحكومة بشكل مباشر، وقطع الطريق على المستغلين، وإنقاذ المحاصيل.
علي حسون