لماذا نكتب ؟!
ثمة تساؤلات لا تنتهي يطرحها من اكتوى بنار الحرف وعذوبة الكلمة، تنهال الأسئلة حيرى أحياناً، وشديدة الحرارة في أحايين كثيرة، والكاتب بكل مسمياته وصفاته، سواء أكان صحفياً أم قاصاً أم شاعراً أم.. لا يجد بداً من مواجهة هكذا أسئلة، ولا يجد نفسه دبلوماسياً في إجاباته، فهو مهما حاول أن يبتعد عن ذلك سيجد نفسه في خضم المعركة، ولعل أبرز تلك الأسئلة التي يطرحها الكاتب على نفسه أولاً قبل أن تُطرح عليه من قِبل الغير: لماذا نكتب؟ ويتبعها بسؤال آخر: لمن نكتب؟ وهي أسئلة نبيلة في زمن قلّ النُبل فيه، وماتت معه النخوة والغيرية والأخلاق والإيثار وحب الآخرين، ولكن لكل من يجد في الكتابة لهواً ولغواً ومضيعة للوقت، لكل من ينظر للكتابة ترفاً وظهوراً وتعالياً وتسلقاً للوصول إلى غايات غير نبيلة، أمثال هؤلاء لا نكتب لهم، إنما نكتب عنهم، نفضح عريهم وفسادهم، نزيح عنهم الأقنعة الكاذبة، نقدمهم للرأي العام كي يحكم عليهم وعلى أفعالهم، نكتب لمن وهب حياته وروحه ودمه رخيصة من أجل عزة الوطن وأمنه واستقراره، شهداء الوطن وحماة عرينه وصانعي مجده وصموده وخلوده.
نكتب للقامات التي تُسيج حدود الوطن، برّه وبحره وسماءه، جباههم شامخة، وعيونهم ساهرة، وأفئدتهم مزروعة في الروابي والجبال والبوادي، أيديهم على الزناد، يعشقون الوطن وترابه، ويتسابقون للذود عنه بالدم والروح، حماة الوطن، بواسل ونشامى جيشنا الباسل رمز التضحية والفداء.
نكتب لخيوط الشمس الأولى وهي تغازل فلاحي بلادي وهم يتوجهون في الصباحات الباكرة نحو حقولهم يزرعونها قمحاً وتبراً وأناشيد فرح، فيعطون خبزاً وحباً وحياة.
نكتب للعقول التي تبني الوطن وتجدّ في البحث عن إعلاء صرحه شموخاً وعلماً ومعرفة وتقدماً، للأيدي التي تحنو على الآلة وتديرها بمحبة وتفان من أجل زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
نكتب لبناة الإنسان الذين يتفانون في مدارسهم خدمة للأجيال القادمة، بناة سورية الحديثة والمتجددة، بناة الأجيال الذين يدركون أن منعة الوطن وعزته وتقدمه ورفعته وصموده تكون من خلال بناء الإنسان المؤمن بوطنه ورسالته الحضارية.
نكتب للأوفياء في هذا الوطن والعالم الذين يؤمنون بالخير والمحبة والتسامح والسلام بعيداً عن الحروب المدمرة والقتل الممنهج وتخريب ما بُني وشيد خلال عقود، نكتب لكل ذي همّة عالية في البناء والتضحية ونبذ العنف وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع هذا الوطن، نكتب لمن يحترم وقته ووقت الآخرين، ويعمل دون كلل أو ملل لتأمين حاجات الناس من أمن وخبز وماء ودواء، ويعمل في كل الظروف ويواجه المصاعب والتحديات، هدفه أولاً وأخيراً الإنسان الذي هو (غاية الحياة ومنطلق الحياة).
نكتب للذي ينبذ التعصب والأنانية والطائفية والعشائرية والإقليمية والمذهبية والعائلية، ويسمو بعقله وتفكيره درجات عالية من الرقي وصفاء العقل والذهن.
نكتب للذين حافظوا على الممتلكات العامة والآثار الوطنية من عبث الحاقدين والمتآمرين، وصانوها وحموها من العبث والسرقة والتخريب.
نكتب عن كل شيء جميل وممتع في هذا الوطن والعالم بعيداً عن الرياء والنفاق والتدليس واللف والدوران وطمس الحقائق.
نكتب للمرأة أخت الرجال التي تقف إلى جانب الرجل في بناء الوطن والدفاع عنه وحماية أمنه واستقراره، للصبايا وهن يغزلن من ضفائرهن شالاً لبنادق آمنت أن الوطن يحميه أبناؤه الشرفاء المخلصون.
نكتب لكل صاحب موقف وطني يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، ويناضل بالكلمة والموقف لبناء سورية القوية العزيزة المنيعة المنتصرة.
نكتب ولن نمل الكتابة مادامت الشمس تشرق كل يوم، والأمهات يرضعن أطفالهن المحبة والخير والتضحية والفداء، نكتب بمداد القلب كل شيء جميل، للوطن والإنسان، للحب والجمال والحياة.. نكتب.. ونكتب.. و.
حبيب الإبراهيم