نضال سيجري.. الحلم الغائب الحاضر
سلوى عباس
أمام سر الحياة والموت تصغر الكلمات، والأيام تمضي بكل ما تحمله من أسى وحزن، فنرى أنفسنا على حافة الفقد نودّع ونستذكر أحبة وأصدقاء غادرونا، أعزاء جمعتنا بهم الحياة وتقاسمنا معهم رغيف أفراحها وأحزانها، لكن أن يكون هناك من يحظى بإجماع على محبته فهذه حالة تستحق الوقوف عندها، فبالأمس مرت الذكرى السابعة لرحيل الفنان المبدع نضال سيجري، هذا النورس الذي أرّقه الوجع فغادرنا وجرح يقضّ قلبه على وطن عشقه وشغف به، هذا الوطن الذي رسمه نضال حلماً من حب، ارتسمت حوله تطلعاته وأمانيه فحمله في وجدانه أمانة كان الحافظ الأمين لها حتى آخر لحظة في حياته، وكان الحلم في أبهى حالاته، حمله بكل ثقة، وكان العين الساهرة عليه جاهداً أن يجسر الهوة بين أبنائه قبل أن تتسع، فناداهم بكل ما يحمل في قلبه من حب ليحافظوا على هذا الوطن، وخاطبهم قائلاَ: “وطني مجروح وأنا أنزف.. خانتني حنجرتي فاقتلعتها.. أرجوكم لا تخونوا وطنكم حبوا وطنكم”
في الأمسk وبعد سنوات سبع من الغيابk يعيد أصدقاؤك يا نضال رسم الحلم ويستحضرون فترة من الزمن تجلّت فيها روحك إنساناً من أمل، شكلتَ لوحة مزخرفة بالمحبة، إنساناً قريباً من الجميع، شاركتهم حياتهم وهواجسهم، وعشت معهم إنسانيتهم التي هي جزء من إنسانيتك، وهاهم اليوم يبادلونك الحب بحب، ويعبّرون لك عن افتقادهم المرّ لك، في هذا اليوم طافت روحك في المكان، وانتشر عبق الذكرى، وأخذ كل منهم يروي حكايته معك عبر صفحته الزرقاء، فماذا يتذكرون وأنت الذي ضاقت العبارات في وصف غيابك، أنت الشخص القريب من الجميع.
نضال سيجري.. ماذا نحدّث عنك وعن تألق إبداعك حيث كنت وما زلت تحتضن لنا في كل عمل نتابعه، لقاء من شوق حميم نلقاك فيه، فهل كان يعوزنا هذا الرحيل لتكتمل أحزاننا، ويتلاشى عن شفاهنا ما تبقى من ابتسامات، وننوء بثقل أحمالنا، ونكتشف خواءنا..؟ لم تكن يوماً قاسياً إلا في غيابك، ولم تكن بخيلاً إلا حينما حرمتنا من حضورك، وبين حضورك وغيابك تبقى نضال الذي اجتاح قلوب محبيه، واستقر في عقولهم بإبداعه وثقافته الواسعة، فمنذ وعيت الحياة حملت الفن رسالة لخدمة قضايا أمتك وحقها في الحياة الحرة الكريمة.
في ذكراك تراءت صورتك كموجة حب تطلّ من بين الضباب عبر أغنية شارة فيلم حمل عنوان “عطر الليمون.. تحية لروح نضال سيجري” هذا الفيلم الذي كتب له السيناريو وأخرجه الكاتب إلياس الحاج، وشارك فيه كلّ من كان له معك ذكرى ما في يوم ما، وقد أعاد الفنان إلياس بثه أمس بمناسبة ذكرى رحيلك، إذ تجلّت مقولة الفيلم بحسب رأي صاحبه بأنه تحية بحرية بـ “عطر الليمون” إلى روحك، فأنت رحلت في وقت ليس وقت الموت، وليس وقت انكسار الإبداع ووهن القلوب، فهل يعقل أن تكون قد تعبت وأنت الذي بشّرت بكثير من الفرح، والتزمت منذ بدء الحرب على سورية موقفاً واضحاً يدعو إلى الحب بوصفه بوصلةً وخلاصاً، وكانت لك مبادرات ووجهتَ رسائل عدة للسوريين بكل أطيافهم، لعلّ أكثرها رسوخاً ما قلته قبل أن ترقد رقدتك الأخيرة: “بعد قليل سأحلم بأنّ كل السوريين سيبدؤون العمل معاً لإعادة البناء.. بعد قليل إذا لم تخرج بلادي من وجعها سأتمنّى الموت، وأغادر مع هذا العام البائس المليء بالسرطان، تحيا سورية بكل أبنائها”.
نضال سيجري.. رحلت بصمت لتزرع الحسرة في قلوب كل من أحبوك، فكان صمتك هذا قمة الإبداع.. رحلت للبعيد لكن روحك باقية تبث الحب والحياة للسوريين جميعاً، ولكل من أحب سورية.. نضال.. كنت قلباً يتّسع العالم كله، قلباً ممتلئاً بالحب ورغم سنوات الغياب ما زالت كلماتك تلمّ شملنا، فاهنأ بأصدقاء يكنّون لك كل هذا الحب والوفاء.