الـ 100 دولار “دخولية”.. قرار يحتاج لتصويب ويزيد طينة الوضع المعيشي بلّة!
مرة أخرى تقع الحكومة في شرك القرارات المتسرعة وتتعرّض للانتقاد الشديد في ظل ظرف اقتصادي صعب يطبق الخناق على المواطن، الذي لم يعد يعرف من أين تأتيه الضربات الموجعة! فقد أثار القرار الأخير لمجلس الوزراء الخاص بإلزام المواطنين السوريين ومن في حكمهم، بتصريف مبلغ 100 دولار أمريكي عند دخولهم أراضي الجمهورية العربية السورية، ردود أفعال عديدة أغلبها غير مؤيدة للقرار واعتبرته متسرعاً وغير عادل وبحاجة إلى تصويب أو إعادة نظر، متسائلين عن الغاية من إصداره قبل استكمال دراسته من مختلف الجوانب وخاصة الاجتماعية؟.
لماذا إعفاء العربي أو الأجنبي؟
وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي أبدت ملاحظات عدة على القرار المذكور، وخاصة لجهة إعفاء المواطن العربي أو الأجنبي من الدفع، مشيرة إلى أن القرار لم يميّز بين من يسافر خارج القطر ويعود، ولكنه يعمل ويعيش في سورية وبين المغتربين ممن يعيشون ويعملون خارج البلد. وقالت: من الممكن أن يتمّ تحديد وجود إقامة على جواز السفر، وبالتالي يتمّ إلزام من لديهم إقامة في دولة أخرى القيام بتصريف المبلغ. واقترحت الدكتورة عاصي أن يتمّ تحديد فترة حدّ أدنى من الغياب، مثلاً أن يعود قبل ٧٢ ساعة من مغادرة الأراضي السورية على أقل تقدير، لمعالجة وضع من يسافر ويعود إلى لبنان في اليوم نفسه، وأن يتمّ توسيع الفئات المعفاة لتشمل الطلاب والوفود الرسمية إضافة للذين يعالجون من الأمراض خارج سورية.
ما هي الغاية منه؟
المحامي حسن العلي استغرب هذا القرار، مشيراً إلى أن القرارات الحكومية التي تمسُّ شرائحَ واسعةً من المجتمع عادةً ما تحظى بدراسةٍ معمّقةٍ قبلَ إقرارها، ولا ينبغي أنْ تصدر قبل مثلِ هذه الدراسة، مبيناً أن هكذا قرارات تُشبهُ التشريعات، كونها أولاً تأخذ طابعاً عاماً وتتعلق بما يُشبهُ فرضَ ضريبةٍ، وإنْ لم تكن ضريبة بالمعنى الحرفي للكلمة، والضريبةُ لا يجوزُ أنْ تكون إلا بقانون. وأضاف: إن الذي يذهب إلى لبنان لسببٍ اضطراري مع بعض أفرادِ عائلتهِ ويعودُ إلى سورية بعد يومين مثلاً ليس مغترباً ولا مسافراً بالمعنى الذي جاء به القرار، لذا يؤكد العلي من وجهة نظره كرجل قانون أن هذا القرار جاء متسرعاً، ومن دون التدقيق في انعكاساته على المجتمع، متسائلاً: لا نعرفُ ما هي الغايةُ من إصدار مثل هذه القرارات قبل استكمال دراساتها من مختلفِ الجوانبِ الاقتصادية والاجتماعية؟!
ضجة كبيرة!
فور صدور القرار ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي منتقدة التسرع والارتجال وغياب الحكمة والدراسة والدراية، واعتبر البعض أن “القرار لن يؤدي إلا لزيادة الفاقد وعدم القدرة على التعويض للطلب الكليّ على الدولار”، مؤكدين أنه لم يدرس جيداً وقد صدر بشكل متسرع، مطالبين بعدم استثناء باقي الجنسيات.
وكان هناك إجماع على ضرورة رفد خزينة الدولة بإيرادات القطع الأجنبي ولكن ليس بهكذا طريقة، وبعضهم تساءل: هل من المعقول أن يدفع في كل مرة من يعمل في لبنان مثلاً لمدة خمسة عشر يوماً ويعود مؤمناً أكل عياله ثم يعود مكرراً هذا الأمر في السنة عشر مرات مثلاً؟!
وطالب اقتصاديون الحكومة بالتحرك بشكل فاعل ومؤثر من أجل تجاوز الأزمات المتكاثرة المرعبة التي تحاصر المواطن، ومنها ارتفاع سعر الصرف لحدود جنونية أضعفت القدرة الشرائية لليرة بشكل مخيف.
بالمختصر.. نتفهّم القرار بهدف رفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي، ولكن النوايا الطيبة لم تنفع هذه المرة، فهناك خلل واضح بالقرار الذي عقّد الأمر بدلاً من تيسيره، فليس كل مواطن قادم للبلد هو مغترب، كلنا نضطر للسفر ربما أكثر من مرة لدولة مجاورة بداعي العلاج أو الدراسة، فهل يعقل أن ندفع في كل مرة 100 دولار تعادل اليوم أكثر من 250 ألف ليرة سورية؟!.
غسان فطوم