الثروة الحيوانية.. تهريب إلى دول الجوار ومساع لضبط الحدود عبر آليات جديدة!!
لم يتمثّل الحصار الاقتصادي على سورية بإجراءات وقوانين تمنع التعامل مع المؤسسات المختلفة فيها، بل وصل الحال إلى لجوء البلدان المستعمرة “تركيا وأمريكا” إلى سرقة ونهب ثروات البلاد، واللجوء لأساليب أقل ما يمكن وصفها بالقذرة، حيث تم الاعتماد على المناطق الحدودية الساخنة لتحويلها إلى ساحة سمسرة لتجار الحرب واللصوص الأتراك خاصة، ففي تلك البقع الجغرافية تم استنزاف أهم منتجاتنا، بدءاً من النفطية، وانتهاء بالزراعية والحيوانية، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن سورية كانت تمتلك ثروة حيوانية تقدر بنحو 3.17 مليار دولار في عام 2012، حيث قدرت نسبة الأغنام بـ 60% من إجمالي عرق أغنام العواس بالعالم، ومن الماعز والأبقار والجاموس، ما يثبت أن هذه الثروة تم سلبها خلال سنوات الحرب عبر تهريبها بطرق غير مشروعة.
اختلاف الموازين
ارتبطت أعمال نهب الثروة الحيوانية بعمل شبكات متآمرة من دول مرتبطة بمناطق حدودية أهمها تركيا، حيث تم التهريب عبر أراضيها لبيعها في دول الخليج وغيرها، ورغم العمل المستمر الذي لم يتوقف خلال الحرب لمديرية الجمارك والضابطات، إلا أنه لم يكن ممكناً السيطرة بشكل كامل على عمليات التهريب بسبب غياب العامل الأمني للعديد من المناطق الساخنة، وهي في معظمها حدودية، خلال السنوات الماضية، كما أن التعامل مع هذا النوع من التهريب له خصوصيته من حيث إفلات القطعان للسير نحو تلك المناطق لبضعة كيلومترات، وبشكل يصعب من عمليات مكافحة التهريب،
ومع تحقق الكثير من المتغيرات، واختلاف الموازين على الأرض، وعودة الكثير من الأراضي إلى سيطرة الدولة، أصبح ممكناً حالياً إعادة هيكلية عمل الجمارك في تلك المناطق، واستعادة توزع الضابطة في المناطق المحورية، وقد أكد مصدر مسؤول في مديرية الجمارك لـ “البعث” إعادة تفعيل تمركز الضابطات الجمركية عبر تحديد المنافذ لعمليات التهريب، والاعتماد على الإجراءات القانونية في عملية انتقال القطعان بين المناطق، ومراقبة البيانات لدى المربين وتدقيقها لجهة عدد رؤوس المواشي وترقيمها وتسجيلها قانونياً، مشيراً إلى أن مسؤولية ترقيم إناث الأغنام للتمكن من معرفة أعدادها وتنقلها تقع على عاتق وزارة الزراعة، كما تسعى المديرية لوقف تهريب الثروة الحيوانية إلى خارج القطر بالتوازي مع قرار وقف تصدير الأغنام، حيث تم تخصيص عشر ضابطات جمركية ونشرها في مناطق التهريب، وتمت مصادرة 400 رأس من الأغنام والأبقار والماعز معدة للتهريب، وعدم توفر البيانات اللازمة لها، وقد اتخذت العديد من الإجراءات التي تضمن وقف التلاعب بهذه الثروة، خاصة في مواسم الرعي التي تتطلب تنقل القطعان، حيث يتم التعهد من الراعي بإعادة القطيع بعد الموسم، بالإضافة إلى وجود كفيل يضمن عودتها، وفي حال مخالفة التعهد ستكون هناك ملاحقة قانونية من قبل الجمارك لإعادة القطعان.
لهاث التجار
يستغل المهربون مختلف الظروف التي يمر بها البلد، وآخرها جائحة كورونا، ما دفع مديرية الجمارك لإعادة نشر الدوريات في المعابر غير الشرعية، وتشديد الرقابة قرب المنافذ الحدودية، وخاصة في أرياف حلب وادلب وحمص، ويضيف المصدر: قمنا بنشر العناصر الجمركية ضمن قطاعات الضابطة كافة، وكثفنا الدوريات على الطرق العامة والأرياف وفي المناطق الصحراوية عبر الكمائن والإخباريات عن عمليات التهريب، مستعينين بالبيانات المسجلة لدى وزارة الزراعة عن كميات الثروة الحيوانية، كما كشف المصدر لجوء العديد من التجار لاستخدام أساليب ملتوية وغير قانونية لتهريب المواشي إلى تركيا طمعاً بالمبالغ والأسعار الضخمة التي تقدم لهم، حيث لا يدخرون أية وسيلة لتحقيق مآربهم في الحصول على المال، كما تم تسجيل قضايا متعددة تتعلق بمخالفات لمعامل الألبان والأجبان، وكان آخرها ضبط معمل يضيف مادة الأكسجين المسرطنة إلى الحليب لزيادة كمية الجبنة المصنعة إلى ضعفي الكمية الحقيقية.
عمل متواز
الاعتماد على الثروة الحيوانية لا يقتصر على استهلاكها كمصدر للحوم، فهي تعتبر محركاً مهماً للعديد من الصناعات القائمة، كالأجبان والألبان والصوف وغيرها، أي أنها مصدر للمواد الأولية، بالإضافة إلى أهميتها كمصدر لدخل الأسرة الريفية، ويرى مدير الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة، حسن السليمان، أن مكافحة تهريب الثروة الحيوانية يجب أن تكون بالتوازي مع عمل جميع الجهات المختصة لإعادة تنمية هذا القطاع ودعمه عبر إجراءات وخطوات أهمها الوصول إلى المربين في كافة أنحاء القطر، وتزويدهم بالسبل والمعلومات التي تساعدهم في تعزيز عدد القطعان لديهم، من أبقار وأغنام وماعز وغيرها، وإرشادهم إلى الآليات المعتمدة للحفاظ على صحة وسلامة القطعان ضمن منهجية تتبّع علمية دقيقة لجميع المستجدات القائمة مع المربين، من زيادة أو نقصان، والوقوف على الأسباب، وتعزيز عمل الوحدات الإرشادية الحيوانية في نشر التوعية للمربين، وتشجيعهم للعودة من جديد لأعمالهم بعد تعرّض معظمهم للنزوح وخسارة قطعانهم نتيجة الحرب.
تعزيز التواصل
تلعب الأبحاث العلمية وتكنولوجيا المعلومات دوراً مهماً في تنمية الثروة الحيوانية، يضيف السليمان: كما لابد لنا من اتباع استراتيجيات تدريبية لدعم عمل مربي القطعان، والاطلاع على مشكلاتهم ومعوقات العمل لديهم، واستخدام برامج التواصل الالكتروني لتفعيل وتسهيل عملية المتابعة الدائمة من كافة الجهات المعنية، والتركيز على سياسة الحكومة في تطبيق التنمية المستدامة لهذا القطاع من خلال سياسات تسعير للمنتجات الحيوانية بما يتناسب مع تكلفة أسعار الأعلاف، وعمليات التسويق، وخلق توازن حقيقي لخفض التكاليف حسب المتغيرات المستجدة، ويتابع السليمان: إن افتقارنا لمناطق الرعي الطبيعية هو العائق الأكبر لتربية المواشي كالماعز والأغنام، حيث بلغت هذه المساحة نحو 55%، ما زاد الطلب على الأعلاف المستوردة التي بدورها تأثرت بسعر الصرف وارتفعت أسعارها، فدفعت العديد من المربين للتخلي عن عملهم ومواشيهم نتيجة عدم القدرة على تلبية متطلبات الرعي.
أمن غذائي
الاهتمام بقطاع الثروة الحيوانية بات ضرورة ملحة لخلق الفرص أمام التنمية المستدامة، ورفع مستوى معيشة العائلات الريفية، وحماية الأمن الغذائي في بلدنا، وبحسب الخبير الاقتصادي فادي عياش فإن زيادة أعداد قطيع الثروة الحيوانية ودعمها تسمح بقفزات إيجابية نحو الأمن الغذائي، لذلك لابد من النظر إلى مشكلة الأعلاف وغلائها كمسألة مصيرية لواقع هذا القطاع وتطويره، وخاصة بعد تزايد الأعباء على المربين، وما خلّفته الأزمة من مشكلات، وهنا، لابد من الاعتماد على نجاح هذا القطاع وازدهاره في فترات سابقة، والسياسات والإجراءات الناجحة التي كانت تعتمدها الحكومة آنذاك، وتلك التي أدت إلى نقلة مهمة نحو التصدير بما حققه من عوائد اقتصادية رفدت الخزينة بالعملات الصعبة.
ميادة حسن