“المرسوم” بريء منكم!
من يتابع حيثيات الواقع والمتغيّرات المؤسفة جداً لقطاع دوائنا وصناعته، يدرك تماماً أن هناك حلقات مشبوهة بعيدة كل البعد عن دائرة الضوء، بدءاً من تمويل مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعته، وليس انتهاء بكيفية التسعير وفوضى السوق وارتفاع الأسعار الجنوني والرقابة على ذلك كله!!
فعلى سبيل المثال لا الحصر للأمور المنفلتة من أي عقال ومنطق، نسأل: إذ كانت الأصناف الدوائية التي يحتاجها المرضى لا تتوفر، وإن توفرت، فيجب أن يدوخ المريض “السبع دوخات” حتى يحظى بعلبة واحدة يتيمة، فما هي الحال مع الأدوية المزمنة التي لا تتوفر بالحدود الدنيا للمواطن السوري، وحتى للمؤمّن لهم صحياً في الجهات الحكومية؟!
وهل يعقل أن تشترط بعض الشركات تَحميل الصيدلاني أدوية غير مطلوبة، قيمتها تناهز الـ 150 ألف ليرة سورية، مقابل حصول الأخير على علبة فيتامين واحدة فقط، هناك بين مرضى شبكية العين من هو بأمسّ الحاجة إليها، وإن لم يأخذها قد يكون مصيره العمى، نعم العمى!! وليس هذا فحسب، بل إن سعرها ارتفع عدة مرات خلال أقل من شهرين، من 8 آلاف ليرة إلى 10، إلى 12، إلى 21 ألف ليرة سورية!!
وإن كانت هكذا هي الحال، فلكم أن تتخيّلوا ما هو وضع أدوية القلب والضغط، التي وإن توفرت، فلن يجد مريضها الدواء المناسب لحالته وجسمه، ولا حتى البديل عنه، وإن وجده بعد جهد جهيد كان السعر صادماً، والأنكى ألا تكون له الفعالية ذاتها!
وهل يعقل، والمريض لم يكد يتناول من يد الصيدلاني علبة دواء التهاب، أن يطلب الأخير منه التمهل لحظة، إذ أن رسالة وردته على الموبايل تخبره أن سعر هذا الدواء ارتفع مرة ثالثة في أقل من شهر؟!
كثيرة هي الحالات التي تُدمي العين والقلب، تحدث لحظياً ويومياً، والمصيبة أن المعنيين بمعالجة هذا الواقع القاهر لا يتورعون عن أن “يجعلوا البحر طحينة”، في قطاع أصبح مهدماً للصحة، بدلاً من أن يكون بدوائه وأسعاره وفعاليته، منقذاً ومعافياً لأجسادنا. فهل هناك من لا يريد لأجسامنا الصحة والعافية، كي لا تكون عقولنا عكس ما يُريد.. يسأل أحدهم؟!
غيض من فيض “المستفز للكثيرين” الذي أثاره بيان وزارة المالية الأخير حول المرسوم التشريعي 14 لعام 2020 الخاص باستيراد مستلزمات تصنيع الدواء، وقبله تصريحات وزارة الصحة، والأخذ والردّ في الاتهامات المبطنة ما بين مصنّعي الأدوية ووزارة الصحة، والسؤال هنا: وآخرتها ماذا؟!!
لن نعرض ما جاء في البيان الذي نبرئ المرسوم مما جاء فيه، حيث اتبعت “المالية” طريقة “تفسير الماء بعد الجهد بالماء”، لتبيّن أن ما قدّم لدوائنا وصناعته “ولا أحلى من هيك..”، لكننا سنسأل: هل فعلاً عملت وزارة المالية ومن خلفها المركزي والصحة، على ترجمة ما جاء في المرسوم بالشكل والمضمون الصحيحين، وبالتالي استطاعت أن تحقّق الهدف الذي صدر من أجله؟!
إذا كان الجواب نعم، فنحيل “الغطاس للماء”، ونكتفي بالإشارة إلى أمرين اثنين:
أولهما، هل اقتطاع 40% من تمويل مستوردات المواد الأولية لصناعة دوائنا – ولا نعرف بأي حق شركات تحويل الأموال للخارج تأخذ كل هذه النسبة من مصنّعي الأدوية – يخدم المرسوم وأهدافه في تأمين أدوية وبالأسعار المناسبة لدخل المواطن وحتى بالفعالية؟
وثانيهما، بأي حق تأخذ وزارة الصحة عشرات الآلاف من الدولارات، من مصنّع الأدوية، إذا أراد إنشاء خط إنتاج جديد؟! وهل الدواء الذي ينتج ويُطرح في السوق المحلية، هو بذات الجودة والفعالية للأدوية نفسها التي تُصدّر للخارج، وماذا نفهم حين نقرأ على علبة دواء ما إنه “للسوق المحلية”؟!!
نكتفي، ونختم لنقول لمن يريد لدوائنا أن يكون سبباً في “جلطاتنا القلبية والدماغية”: اتق الله.
قسيم دحدل