غسان مسعود: المسرح في مخاض والنصوص المسرحية لا تكتب عن حالات ظرفية
يشكل الفنان المبدع غسان مسعود ظاهرة فنية مسرحية بامتياز، رغم تألقه الواضح في الدراما التلفزيونية والسينمائية أيضاً، لكن خشبة المسرح ظلت شغفه وقدره الذي لم يستطع الفكاك منه، رغم إغراءات الشهرة والنجومية والمال، التي توارى خلفها معظم فناني جيله وتلامذته الذين تخرجوا على يديه ونهلوا من معين تجربته في المعهد العالي للفنون المسرحية.
منذ مسرحية “أهل الكهف”مع الراحل فواز الساجر 1986 إلى “كسور وفوضى ودبلوماسيون وصدى” بقي مسعود حريصاً على قربه من فضاء المسرح يستنشق عبق رائحته، تلك العلاقة التي لم تمزق سنوات الحرب، التي بعثرت الكثير من الفنانين السوريين تيارات ومذاهب عراها فقدم خلالها “كأنو مسرح” و”هوى غربي”.
ولأنه الأجدر بالحديث عن هموم المسرح وشجونه دون تنظير أو تبجح، استضافه مشروع مدى الثقافي في حوار تفاعلي مع الجمهور على خشبة مسرح دار الثقافة بحمص، فكان حواراً مباشراً وعفوياً من القلب إلى القلب، توقف فيه مسعود عند قضايا كثيرة أثارها شباب ما زالوا يتوقون لإنعاش أكسجين الحياة في جسد المسرح، وأول تلك الأسئلة لماذا المسرح لايشكل أولوية في حياة الممثل؟ فيكون الرأي عند مسعود الذي عايش تلك الحقيقة وعارك من أجل تحييدها كذريعة للهروب نحو الشهرة والنجومية التي لن يجد الممثل طريقاً إليها عبر المسرح فيجيب: “الحياة أوصلتنا إلى مكان أصبح كل واحد من الفنانين يقول: بيتي أولاً، فالممثل لا يحيا بالمسرح فقط، ولابد من دعم مادي يؤمن له العيش بكرامة، الأمر الذي انعكس سلباً على المسرح، ودفع معظم خريجي المعهد للاتجاه نحو التلفزيون والإذاعة والدوبلاج وغيرها، لكن هذا ليس تبريراً، لأننا نستطيع أن نخصص ساعة واحدة من ٢٤ساعة للمسرح، لهذا أرى أن العلاقة مع المسرح استثنائية دائماً، والعرض المسرحي يرتبط بفنانين استثنائيين.”
ولأن المسرح فعل حياة، يرى البعض غياب الواقع الراهن عن النص المسرحي والخشبة تقصيراً، في حين اعتبره مسعود تأزماً مسرحياً، رغم تأكيده على الدور الترفيهي للمسرح “الناس اليوم لاتريد من يتحدث عن فقرها، بل من يقدم لها حكاية مشوقة، أما حالات الفقر فهي ظرفية طارئة، والنصوص المسرحية لا تكتب عن حالات ظرفية، بل استراتيجية وحالة تنتج رأياً عاماً في تاريخ الشعوب، الفقر يمكن أن يكون محوراً في نص، وليس نصاً كاملاً”.
الموهبة بالنسبة لمسعود هي التي تصنع ممثلاً قبل كل شيء، وهذا ما أكد عليه عند سؤاله عن مقومات الممثل الناجح “الأمر يرتبط بالموهبة والاشتغال على الذات، فالمسرح كما يقول بيتر بروك: “هو الاهتمام” وهو تراكم كمي ونوعي يساهم في بلورة شخصية الفنان، الدراسة تعلم الطلاب تقنيات معينة يعتمدون عليها، لكي يطوروا أجسادهم، وأصواتهم، وطريقة التعاطي مع الذاكرة الانفعالية، لكن الموهبة هي أولاً وأخيراً، وهناك أسماء كبيرة لم تدرس المسرح والتمثيل، لكنها تشكل عناوين في الوسط الفني”.
وعن المسرح والمرحلة الراهنة، يجد مسعود أنه يمر في حالة مخاض عسير “المسرح شأنه شأن أي فعل ثقافي آخر يعيش بعد تسع سنوات مؤلمة، حالة مخاض لا أحد يعرف إلى ماذا ستفضي، وأنا أقول: إن المسرح لم يمر في حالة ازدهار، رغم تلك المحاولات المزدهرة التي شهدها في سبعينيات القرن الماضي، لكنها بقيت مجرد محاولات، واليوم لا أعتقد أن هناك من يعتقد بأن المسرح ضرورة مهمة في حياتنا الاجتماعية والثقافية، لذلك هو في تراجع مستمر ليس في سورية وحدها فقط بل في كل العالم العربي، تحول إلى حالة مزاجية”.
رغم كل الظروف بقيت تلك العلاقة بينه وبين المسرح على حميميتها، أجاد مسعود في حبه وأغدق سخاءه بلا مقابل، أو بمقابل زهيد، لكنه لم يكن صاحب قرار في مؤسساته يوماً، مع هذا رأى فيه البعض الأمل بمستقبل مسرحي أفضل، لكنه كان صريحاً “قرار إحداث مشروع نوعي يحتاج إلى موازنة ودعم مالي كبير، وهذا لن يحدث في ظل الظروف الراهنة، فلا أحد بوارد هذا اليوم”.
خصوصية تجربة مسعود الإخراجية كان لها وقفة مطولة في الحوار التفاعلي عند سؤاله عن أهمية بناء الشخصية في العرض المسرحي، والأولويات عند المخرج، فأكد على انحيازه للممثل باعتباره الحامل الرئيسي للعرض “هو العنصر الأبرز الذي يحمل أفكار المخرج والمؤلف معاً ويصدّرها للمتفرج بأداء عالي المستوى، لذلك أخصص كل وقتي لإنضاج الشخصيات، والإخراج يأتي في الزمن الأخير من البروفات، لترتيب السينوغرافيا”.
برأي مسعود أن المخرج الذي يأتي إلى البروفا وفي رأسه تصور كامل عن شكل العرض النهائي هو مخرج غير مهتم بالنص وبالممثل “الإخراج يبنى ويهدم يوماً بعد يوم مع الممثل الذي يدل المخرج على حل إخراجي لمشهد معين لايخطر بباله، وحسب بيتر بروك “المخرج يبقى أعمى إلى أن يستفزه الممثل بمبادرة تدله إلى البنية البصرية الكاملة للمشهد، الممثل، كشريك إبداعي يحفز المخرج لبناء رؤيته البصرية على الخشبة مع الممثل الذي يكون قد تملك من شخصيته، لهذا الإخراج هو فعل تراكمي يومي إلى أن يصل إلى مرحلة العرض الافتتاحي، وحتى إلى مابعده أيضا.”
تميز الحوار بالمباشرة والعفوية والصراحة، وتناول قضايا متعددة لا تتسع المساحة المتاحة للاستفاضة فيها أكثر.
آصف إبراهيم