مرصد سوق العمل.. خطط واستراتيجيات لتشغيل الباحثين عن فرصة ووظيفة
دمشق – عبد الرحمن جاويش
البطالة أزمة حقيقية تعاني منها شرائح واسعة من مجتمعنا وخاصة الشباب في ظل ارتفاع عدد الخريجين الجامعيين، فهي تعوق عجلة التنمية البشرية، وتمسّ الشباب الذي يتطلّع لتولي حصته في بناء المجتمع بعد أن اجتهد لسنوات في سبيل نيل شهادة أكاديمية تؤهله، لذلك تأتي هذه الأزمة في وقت تحلق أسعار العقارات ومواد البناء، وتشحّ القروض السكنية المقدمة، فهل يشكل اللجوء إلى المشاريع الاستثمارية والإجراءات والاستراتيجيات المتبعة في مجال عمل الشباب مخرجاً من هذه الأزمة؟!.
منير محسن، طالب دراسات اقتصاد، برّر عزوف الشباب عن إقامة مشروعاتهم الخاصة بسبب غياب الجهات المموّلة لهذه المشروعات، ففي حين يقدّم الشباب أفكاراً جديدة وخلاقة في مجال إدارة الأعمال، إلا أن هذه الأفكار تذهب في مهب الريح بسبب غياب الجهة الداعمة والممولة. ويستبعد منير، من جانب آخر، إمكانية تكوين الشباب لأسرة وسط المنافسة الشديدة التي تشهدها الوظائف في ظل رواتب محدودة، ويضيف أن الشباب يفكر في الوقت الراهن بتطوير نفسه ومواصلة دراساته العليا، ليتسنى له العيش بكرامة.
وأيّد علي بركات، طالب محاسبة، ما ذهب إليه منير، مضيفاً: أرى مستقبلاً مظلماً، فالشباب يضطر لأن يعمل في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاته ليتسنى له العيش، وعزا ارتفاع معدلات البطالة إلى ازدياد عدد الخريجين في ظل وظائف محدودة، واشتكى في هذا الصدد من قلّة التوعية، إذ غالباً ما يتدافع الشباب على تخصصات بحدّ ذاتها، ما يشكل أزمة وظيفية، وقال إن الضوابط التي تضعها الجهات المموّلة مبالغ فيها، لهذا لا يتمكن الشباب من اللجوء لجهة تدعم مشروعاتهم الخاصة. وتابع: لا يمكن للشباب في ظل الوضع الحالي أن يستقل في بيت خاص، فأسعار الأراضي ومواد البناء ترتفع بشكل واضح، وكل هذا يعود لصعوبة الحصول على القروض السكنية في ظل الشروط الحالية المطلوبة لإعطاء هذا النوع من القروض، خاصة من جهة الفوائد المرتفعة لها.
رنا إبراهيم، طالبة دراسات عليا– آداب، ترى أن الوظائف باتت حسب الحظ، ولم يعد التفوق هو الفيصل، وأضافت أن الشباب لا يملك الدافع والثقة بالنفس لإقامة مشروعاته الخاصة، وربما يعود ذلك لغياب الجهة الداعمة والممولة، في حين أنه يجب تقديم جميع التسهيلات للمشروعات الصغيرة من أجل أن تنمو المنافسة في ظل بيئة استثمارية.
أما باسل، فقد تحدث بنبرة المتشائم قائلاً: لا يمكن للشباب أن يحقّق ذاته في ظل هذه الظروف، فأسعار الأراضي خيالية والمصارف تفرض فوائد عالية، في زمن تعاني الرواتب من الضعف، وفي ظل احتكار غالبية الاستثمارات وقلّة فرص التوظيف. كما أبدى ماهر، وهو عامل في أحد الفنادق، ضيقه من تدني الرواتب التي لا تحقّق ولا حتى جزءاً من أحلام الشباب، وأشار إلى أن معظم المشروعات الاستثمارية لا تستقطب إلا اليسير من أعداد الشباب العاطل عن العمل، كما يرى أن معظم المشروعات السكنية الحديثة لم تشيد من أجل المواطن العادي، بل شيدت لمن يملكون المال الوفير، فالشباب لا يستطيعون شراء بيت من هذه البيوت الباهظة الثمن، ويبقى أمل جميع الشباب الحصول على عيش كريم بتوفر فرص العمل اللائق والسكن الآمن.
ويبدو أن المرصد الوطني لسوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية لديه الكثير من الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها تشغيل العدد الكبير من العاطلين والشباب الباحثين عن وظيفة. ومن وجهة نظر مدير مرصد سوق العمل في الوزارة محمود الكوا، فإن البحث عن الوظيفة هو أبرز التحديات التي تواجه الشباب والخريجين والعاطلين عن العمل؛ وأمام ذلك، لابد من تأمين فرص كافية لتشغيل أكبر شريحة من الشباب، وخاصة خريجي الجامعات، وقد اعتمدت الوزارة بشكل أساسي على دعم القطاع الخاص لتدريب اليد العاملة لتجاوز التدابير العقابية الغربية الظالمة، وبالاعتماد على الذات في تنمية الموارد البشرية ورفع كفاءتها الإنتاجية، كاشفاً أن المرصد يحاول بجهد جهيد إقناع الوزارات والمؤسسات للوصول إلى تفاعل ديناميكي يخدم البعد الاقتصادي والاجتماعي لهذه المسؤولية، وبالتالي رصد سوق العمل في القطاع العام بشكل كامل عبر أدوات ربط إلكترونية تدعم قاعدة البيانات المطلوب تحديثها دائماً. وحسب جدوى إحداث هذا المرصد فإن الاستهداف يصل إلى كافة القطاعات والشرائح، فالبوابة موجهة للجميع، ولهذا يجب على القطاع الخاص والأهلي التفاعل معها بشكل دائم. وأنه يتمّ الاكتفاء حالياً بالإعلان عن الوظائف في حال تمّ الإعلام بها من قبل الجهات المعلنة عن التوظيف، علماً أن البوابة موجهة إلى كل أطراف المجتمع، من أصحاب الأعمال والباحثين عن عمل ومراكز تدريب، ولا تقدم البوابة خدمة توظيف مباشرة بل هي موقع لتأمين فرص العمل من خلال الربط المباشر بين أصحاب العمل والباحثين، إضافة إلى تقديم كافة المعلومات اللازمة للتأهيل والتدريب للتمكّن من صقل القدرات بما يتناسب مع التحصيل العلمي والتوجهات العملية. كما يساهم المرصد من خلال التقارير التي يعدّها وينشرها بتوجيه الباحثين عن عمل نحو أهم القطاعات والأنشطة، وبالتالي أكثرها استقطاباً للعمالة، الأمر الذي يرسم صورة واضحة أمامهم لاختيار اختصاصهم التعليمي بشكل جيد، ولاسيما طلاب مرحلة الثانوية الذين يعدّون للالتحاق بالتعليم المتوسط والعالي.
ويهدف المرصد إلى توفير جميع المعلومات والمؤشرات التي تساعد متخذي القرار ومخطّطي وواضعي سياسات سوق العمل على مراقبة وتقييم اتجاهات السوق، وتصحيح عدم التوازن الناتج عن التغيرات الهيكلية للأنشطة الاقتصادية والمهن، ولهذا لا تقتصر معلومات سوق العمل على مساعدة راسمي السياسات فقط، بل تساعد أيضاً الباحثين وأصحاب العمل والطلاب لاتخاذ قرارات بشأن المهن المطلوبة والتخطيط للمستقبل.
من جهته يرى مدير وحدة الترشيح المركزي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حازم الكردي أن قضية خلق فرص العمل تحتاج إلى إنعاش البيئة الاستثمارية، وأن الحدّ من ظاهرة البطالة وتخفيف معدلاتها مسؤولية مجتمعية وتقع على عاتق الجهات العامة والقطاع الخاص والتعاوني والمشترك. وبطبيعة الحال، فإن وزارة الشؤون هي جزء من هذه المكونات، وتعمل على تنظيم سوق العمل ورصد الفرص المتاحة وبناء الشراكات مع مختلف الجهات في القطاعات العامة والخاصة والأهلية، من أجل وضع الخطط والسياسات والبرامج والاستراتيجيات الهادفة إلى التخفيف والحدّ من معدلات البطالة، مع تأهيل الموارد البشرية الداخلة إلى سوق العمل والراغبة بالانخراط فيه وتدريبها وإرشادها وظيفياً، ووضع قواعد البيانات بأعداد المتعطلين عن العمل، وتحليل هذه البيانات ووضعها بتصرف واضعي السياسات ومتخذي القرار وصانعي الخطط والبرامج والاستراتيجيات على المستوى الكليّ، إضافة إلى خلق بيئة تشريعية مؤاتية لحماية العمال، وتأمين ظروف العمل اللائق وفق المعايير الوطنية والعربية والدولية.