نحو تشكيل رأي عام وطني واعد
د. عبد اللطيف عمران
أظهرت الأسابيع الأخيرة ما كانت تطمح إليه جماهير شعبنا من تجليات أوسع وأسطع للوعي الوطني والمطابق للمصاعب التي يعيشها الشعب والوطن والأمة في مجالات عديدة، صارت واضحة تماماً بأهدافها وأسبابها، وأدواتها أيضاً.
مع هذا الوعي بات على خيبةٍ كل الذين يظنون أن السوريين ومؤسسات الدولة الوطنية يلعبون في الوقت الضائع، فهؤلاء واهمون، وقد تأكد أنهم هم الذين يلعبون في الوقت الضائع، إذ أنهم ومشغلوهم إلى يأس وفشل ثم تلاشٍ.
لم، ولن تكون عملية الاستئناس الحزبي، والانتخابات والاستعدادات الجارية لها للدور التشريعي الثالث مجرد تجربة عابرة بحدّ ذاتها، فهي تحمل في طياتها اتجاهاً جديداً باتت ملامحه وخطوطه العريضة واضحة، نحو العمل الحثيث والجاد على صياغة رأي عام وطني لم تعد تشكيلته حكراً على قطاع دون آخر.
أيضاً، أثارت كلمة السيد الرئيس بشار الأسد أمس في استقبال المجلس المركزي لرابطة المحاربين القدماء في سورية آمالاً واعدة في تركيز سيادته على القيم: (وطنية- انضباط- التزام- صبر- ثبات- بطولة) و(هي صفات يحتاجها المجتمع والدولة على حدّ سواء).
إنها قيم لم ولن تندثر في المجتمع السوري البطل الصامد الصابر، وأصحابها صابرون يتدثّرون بدثار الكبرياء، ويرون أن المشكلة ليست في المجتمع بل في قدرة السلطات الثلاث على تمثّل قيم السيد الرئيس، القيم التي رآها في رفاق السلاح فتمّ اختيار بعضهم كمرشحين للبعث -جيش عقائدي – إلى مجلس الشعب نظراً إلى وطنيتهم المفعمة بالبسالة والتضحية في سبيل الوطن.
بينما تساءل بعض رجال السلطات الثلاث: هل في حديث سيادته عودة إلى الحرس القديم؟!!.
وكذلك لم يرضَ (البعث) أن يُفرض مرشحوه إلى مجلس الشعب على الرأي العام، وقاد بنفسه عملية الشك والشكوى والاعتراضات على نتائج الاستئناس الحزبي، وبالمقابل لن يرضى البعثيون عن مصادر قوة الملاءة الانتخابية للمستقلّين والتي لم تُجدِ -وطنياً- نفعاً في الأدوار التشريعية السابقة على نحو ما كان يأمله المواطنون، ولا الوطن.
فالناس يشعرون بتطور مفهوم (الانسلاخ الطبقي) نحو أبعاد أخرى على صعيد الممارسة، فصار عصيّاً على التصنيف، ويصعب على النظرية ضبطه، ولاسيما أن حديثي النعمة فيه لن يستطيعوا بتسرّعهم تكوين رأسمال (وطني) ينجح الرهان عليه، بسبب سطوة الطفيلية فيه، ما يجعل مؤسسات الدولة معه ريعية، ومعروفة هي (التجليات الاجتماعية والإدارية والسياسية البائسة للاقتصاد الريعي).
السوريون باتوا اليوم على يقين بأن قاعدة الوعي الوطني في نفوس جماهير شعبنا أصيلة، لكنها بحاجة إلى مزيد من الرعاية والدعاية والتعزيز، وقد استهدفت قاعدة الوعي الوطني والجماهيري هذه، وكاد الاستهداف يحقّق بعض مراميه، وكان هذا الاستهداف قبل، بل مقدمة، لاستهداف كافة مؤسسات الدولة الوطنية براياتها، ورموزها، وقيمها وثوابتها.
فقد استُهدفت الجماهير بضراوة جراء التضليل والضغوط والعقوبات، ولا تزال تُستهدف، كما استُهدفت الدولة ومؤسساتها مادياً ومعنوياً، وهذا ما نحتاج معه كشعب وكدولة إلى تدقيق، ومراجعة، وأدوات وأساليب عمل جديدة، لإعادة إنتاج، وبناء مستلزمات الرهان على قاعدة الوعي الوطني هذه، ومن أهمها الترحيب بالآخر وتوعيته، وتأهيله لإدماجه بفاعلية في هذه القاعدة، فمن يختلف معك كشخص، أو ككرسي، لا يعني خلافه معك أنك وطني أكثر منه، بل إن هذا الخلاف يرتب عليك مسؤوليات ليست إقصائية، فالوطنية كالإيمان يُحكم عليها بالوجدان وبالممارسة، لذلك قيل: حب الوطن من الإيمان.
فقد كان، ولايزال، انتخاب أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث درساً يبدو أنه لن يُنسى، أو يجب ألا يُنسى، سواء في إقبال الحزبيين أو المستقلّين على الترشيح أو الانتخاب، ما يستلزم إعادة تظهير البعث وسائر الأحزاب والمنظمات والنقابات والاتحادات كقوة وطنية أخلاقية: جماهيرياً وشعبياً ومؤسساتياً.
هذا جميعه يرتب على البعث وغيره من القوى والتيارات الوطنية رفض استمرار التعرّض لموجات متتابعة من غزو: الانتهازي- المتعصب- رأس المال- المعايير المزدوجة- رافعي الشعارات: أسمع كلامك.. وأرى أفعالك؟.
هذه بعض ملامح الوعي الوطني الواعدة التي يجب أن يعززها تشكيل مجلس الشعب في دوره التشريعي القادم، وفي ما سيأتي بعده.