كليات درعا بين حاضر صعب ومستقبل مجهول.. وضيق المكان يضيق الخناق على الطلبة!
درعا – دعاء الرفاعي
يكاد لا يخفى على أحد تردي واقع طلاب كليات درعا، ولاسيما بعد خروج مباني كلياتهم، بالقرب من بلدة المزيريب، عن الخدمة، منتصف عام 2013، بسبب الحرب ووقوع المنطقة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة.
اليوم، وبعد مرور ما يقارب العامين على تحرير المحافظة من رجس الإرهاب، وعدم إمكانية ترميم تلك المباني، ينحصر تواجد هذه الكليات في مقرين: البناء الأول كلية التربية الثالثة، وتعود ملكيته إلى مديرية تربية درعا، والبناء الثاني في منطقة البانوراما، وهو مخصص للمعهد التقاني للعلوم المالية والمصرفية، وقد تم وضع باقي الكليات فيه: الاقتصاد والحقوق والعلوم، إلى جانب المكاتب الإدارية التي تتبع لكليات الآداب والطب البيطري، بينما تجري امتحانات ودوام طلاب كلية الآداب في المعهد الفندقي، بالتوازي مع تلقي طلاب الطب البيطري محاضراتهم وتقديم امتحاناتهم في المعهد الصناعي، وأحياناً على أسطح المبنى.
كليات فرع درعا
عن هموم واحتياجات كليات درعا، أكد لـ “البعث” الدكتور نديم المهنا، مدير فرع درعا في جامعة دمشق، سوء واقع الأبنية الحالي، وعدم قدرتها على استيعاب العدد الكبير من الطلاب الذين يتزايدون كل عام، مشيراً إلى أن أبنية الكليات الموجودة في المحافظة موزعة على ثلاثة مواقع في المدينة: موقع بجانب البانوراما، ويتضمن كليات الآداب والحقوق والعلوم والاقتصاد، وآخر يتضمن كلية التربية بأقسامها الثلاثة: معلم صف، وإرشاد نفسي، وقسم دبلوم تأهيل تربوي، إضافة لموقع آخر يضم كلية الطب البيطري الذي يعاني طلابه مشقة كبيرة لعدم وجود مكان موحد يجمعهم، علاوة على بعد المسافة بين المبنى والآخر، وعدم تخديمه بوسائط نقل تكلف الطلاب أعباء مادية إضافية، أو تجبرهم على التنقل سيراً على الأقدام لمسافة تتجاوز الألف متر.
– ولكن.. أين وصل ترميم مبنى الجامعة في المزيريب؟ يجيب المهنا: العمل جار على إعادة تأهيله وصيانته، وكان من المفترض أن يبصر النور قريباً، بسبب تعرضه للكثير من أعمال التخريب والسرقة على أيدي الإرهابيين، وقد كان يستوعب أعداداً كبيرة من الطلاب، والمعنيون في المحافظة يعملون على قدم وساق لإعادة تأهيل مقر الكليات في المزيريب، بأسرع وقت لأن جميع أبنيته ضيقة مقارنة بأعداد الطلاب، ولا تلبي احتياجاتهم، ولا متطلبات التعليم المطلوب فيها، من جوانب مختلفة، وهو ما ينعكس سلباً على راحة الطلاب ونوعية التعليم.. وغير ذلك، إلا أن أسباباً كثيرة حالت دون المباشرة بأعمال إعادة التأهيل.
عام على الزيارة
بعد ما يقارب أكثر من عام على زيارة وزير التعليم العالي لمحافظة درعا، والاطلاع بشكل ميداني على واقع عمل وأوضاع الجامعة، والكشف على الأبنية والوقوف على حجم الأضرار التي لحقت بها نتيجة الأعمال الإرهابية، وكذلك الوقوف عند المشكلات والصعوبات التي تواجه العملية التعليمية وتأمين المستلزمات المطلوبة، لم يتغير في واقع الحال شئ يذكر، بل – على العكس – زادت الأمور تعقيداً وعرقلة، ورغم أنه تم تشكيل لجنة لمتابعة تذليل صعوبات تأهيل وترميم أبنية الفرع، وتأمين الكوادر البشرية والتجهيزات لضمان سير العملية التعليمية في الكليات، إلا أن وضع الجامعة مازال على حاله، وتوقف كل عمل من شأنه أن يعيد الحياة إلى طبيعتها في المنطقة.
رؤى مستقبلية
بيّن المهنا أن هناك مشروعاً تمت دراسته وقدّم لرئاسة مجلس الوزراء ويتمحور حول ضرورة استملاك أراض جديدة في منطقة الشيخ مسكين لوضعها تحت تصرف وزارة التعليم العالي، مع إمكانية بناء مبان أخرى عليها لاستيعاب الأعداد المتزايدة للطلبة، لافتاً إلى أنه تم اختيار منطقة الشيخ مسكين كونها تتوسط أربع محافظات، هي درعا والقنيطرة والسويداء وريف دمشق.
ضيق المكان
مقارنة مع أعداد الطلاب المتزايد سنوياً، تتكرر مشكلة ضيق المكان وعدم القدرة على استيعاب الوافدين الجدد، ما يضطر بعض الطلاب لمتابعة محاضراتهم “على الواقف” لعدم وجود مدرجات أو كراس تكفيهم؛ وهذا الضيق في المكان يؤثر على سير العملية التعليمية من جميع جوانبها، وعلى دوام الطلاب، وعلى سير العملية الامتحانية التي تتم على مراحل، ويجري خلالها الاستعانة بالأبنية المجاورة، مثل الثانوية الفندقية والثانوية الصناعية أثناء فترة الامتحانات.
ولكن الأكثر مظلومية هي كلية الطب البيطري التي يفترض أن تخرج كوادر مؤهلة ترفد المحافظة بأعداد كبيرة من خريجيها، على اعتبارها محافظة زراعية غنية بالثروة الحيوانية، لكن الوضع الحالي غير مبشر، فالقاعات الصفية قليلة، وليس هناك كلية تجمع الطلبة أساساً، وليس هناك تطبيقات عملية تبلور ما تم تحصيله في الدروس النظرية.
الهيئة التدريسية والتعليمية
ويلفت المهنا إلى مشكلة أخرى تتمثل في صعوبة تأمين الكوادر التدريسية المؤهلة، كونها تابعة لجامعة دمشق، ولا يمكن تعيين كوادر تدريسية أو موظفين بشكل مباشر، وهو ما خلق مشكلة ضآلة الكادر مقارنة مع أعداد الطلاب الكبيرة والمتزايدة، حيث يتم الاعتماد على أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق لتلافي النقص، إضافة لنقص التجهيزات والوسائل التقنية من مستلزمات العملية التعليمية والعمل الإداري المكتبي، مؤكداً أن الكوادر التدريسية والإدارية في الكلية لا تلبي احتياجاتنا.. إن وجدت.!
تحسين واقع الكليات
يبقى للكليات القائمة حالياً أهمية كبيرة إذا تم تطويرها وتحسينها بالشكل الأمثل، الأمر الذي سيفتح مجالات واسعة أمام زيادة عدد الفروع من مختلف الاختصاصات، وإمكانية إحداث جامعة خاصة بدرعا مستقلة عن جامعة دمشق، وهو ما يطمح إليه القائمون على إدارة فرع درعا والطلاب والموظفون، ولاسيما أنه مضى على افتتاحه سنوات عديدة قبل الحرب. واليوم، وبعد عودة الأمن والاستقرار لجميع مناطق المحافظة بعد تحريرها كاملة من الإرهاب، أصبح إنجاز هذا المطلب ملحاً وضرورياً لما تشكله درعا من أهمية استراتيجية على مختلف الأصعدة.
شكاوى وهموم
اشتكى طلبة أغلب الكليات، ومنها كلية الطب البيطري، من انتظار فروغ إحدى القاعات ليتمكنوا من الدخول وتلقي محاضراتهم، مشيرين إلى أن المشكلات بهذا الشأن كثيرة ومتكررة، وشبه يومية، حتى إن المحاضرات لا تستوفي الوقت الكافي، وأغلب الطلاب يلتزمون الوقوف، أو ينسحبون لعدم قدرتهم على تحمل الوقوف الطويل، كما أن المحاضرات لا تؤخذ بالشكل الكامل أيضاً لضرورة إفراغ القاعة لدخول طلاب آخرين، ناهيك عن عدم وجود مقاصف أو خزانات مياه، أو حتى التدفئة خلال فصل الشتاء.
وتحدث بعض الطلاب عن نسبة الأخطاء الحاصلة في الامتحانات، وارتفاع نسبة الرسوب الكبيرة في بعض المقررات، إضافة لأخطاء كبيرة يرتكبها الموظفون نتيجة قلة عددهم وعدم خبرة البعض بشؤون الطلبة.
نقلة نوعية
شكّل إحداث فرع كليات درعا نقلة نوعية ومهمة على مختلف الصعد الثقافية والاجتماعية والفكرية، ما يتطلب بذل جهود كبيرة في سبيل تذليل الصعوبات والمعوقات التي تعرقل مساعي الارتقاء بهذه الكليات، وتمكينها من الوصول لمرحلة الجامعة المستقلة، أسوة بباقي الكليات والفروع، وهو ما يرجوه ويتمناه أبناء المحافظة خلال فترة قريبة.