الولايات المتحدة و قوانينها الخاصة…
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية يوماً عن ازدراء القضاء الدولي، فهي تتحلل من القوانين والتشريعات الدولية حسبما تراه مناسباً لمصالحها، فقد ازدرأت القانون الدولي، ومحكمة الجنايات الدولية، وسمحت لنفسها بفرض قوانينها الخاصة كما هو “قانون قيصر”، وفرضت عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، وهددت باتخاذ إجراءات قاسية وصفتها بـ “الإجراءات المناسبة” في حال أقدمت على إصدار قرارات تخص الجنود الأمريكيين الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية، كما حدث في العراق بارتكاب الجيش الأمريكي عمليات إبادة جماعية (جينوسايد) ضد الشعب العراقي الأعزل، ورفضت وهددت بمزيد من الرفض لأي قرار تصدره المحكمة الجنائية الدولية يتعلق بالكيان الصهيوني.
لقد قيل هذا الكلام بصراحة مطلقة على لسان مايك بومبيو وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة صدور أمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصف بأنه “أمر تنفيذي” تحت عنوان “حماية الأمن القومي الأمريكي”، من هنا ندرك خطورة وأهمية مثل ذلك الكلام الذي أتى عقب اتخاذ المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية قراراً في شهر آذار الماضي أفضى بالمضي بإجراء تحقيقات موسعة بخصوص الجرائم التي ارتكبها الجنود الأمريكيون في أفغانستان التي قررت الانسحاب بعد مباحثات مطولة نتج عنها عقد اتفاقية مع حركة طالبان في شهر شباط الماضي 2020 .
هناك معطيات كثيرة تطرح أمامنا، أهمها ثلاث قضايا تتعلق بالقانون الدولي:
– أولى تلك القضايا إشكالية قديمة- جديدة تطرح نفسها بقوة وهي: لمن القوة والغلبة وعلو الشأن للقانون الوطني أم للقانون الدولي؟ وإذا كان هناك في الولايات المتحدة الأمريكية من يقول بسمو القوانين والتشريعات الأمريكية على جميع القوانين، لأنها الأقوى والأرقى والأفضل، فلماذا تطالب واشنطن دول العالم وشعوبها بالخضوع للقانون الدولي؟ .
– ثاني تلك القضايا فكرة السيادة، وهي فكرة لم تعد “مطلقة”، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول بل من أوائل الدول التي نادت وبشّرت بهدم مبدأ السيادة التقليدي، واعتبار أسس وقاعدة حقوق الإنسان ذات صفة أرقى من بقية قواعد وأسس القانون الدولي المعاصر الذي نعيش، وكانت دائماً تصر خلال صراعاتها الأيديولوجية مع المعسكر الاشتراكي الماركسي اللينيني على ذلك، ونجحت في تثبيت هذه القاعدة بصفتها قاعدة عليا مستقلة في مؤتمر هلسنكي للأمن والتعاون الأوروبي الذي انعقد في عام 1975، والذي حضرته مع كندا، بالإضافة إلى 33 دولة أوروبية، فكيف تؤكد في مقولاتها بتقدم السيادة على حقوق الإنسان؟.
– ثالث تلك القضايا موضوع العدالة الدولية وعلاقتها بالعدالة الأمريكية، فهل تهمل الولايات المتحدة الأمريكية ما تراكم من قواعد وأسس قانونية دولية ذات صفة إنسانية فيما يطلق عليه بالقانون الإنساني الدولي بخاصة اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، مع ملحقيها الهامين عام 1977، وتضع نظامها القضائي فوق النظام القضائي الدولي؟.
ما نراه أن الولايات المتحدة تهدد بقوة وبغض وكره النظام القضائي الدولي باتخاذ أشد العقوبات، ضاربة عرض الحائط بالتراكم الدولي التاريخي على هذا الصعيد وهذا المنحى، والتساؤل الهام اليوم: إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترفض إخضاع جنودها وأفراد قواتها العسكرية لمحكمة الجنايات الدولية، فكيف تسمح لنفسها اليوم أن تخضع وتلاحق قادة دول وأحزاب ومنظمات وحركات تحرر شعبية وفقاً لقوانينها، في حين نراها ترفض رفضاً قاطعاً وعنيفاً مثول أفرادها للقضاء الدولي عن جرائم ارتكبوها بحق شعوب عزل، ودول مستقلة بموجب معاهدات ومواثيق واتفاقيات دولية؟.
لقد مارست الولايات المتحدة الأمريكية أبشع العمليات الإجرامية ضد البشرية، فقد قامت بهجوم ذري ضد الامبراطورية اليابانية بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي، واستخدمت القوات العسكرية الأمريكية سياسة الأرض المحروقة ضد فيتنام، وتحديداً ضد عاصمتها هانوي، ومارست حصاراً شاملاً ظالماً ضد الشعب العربي في العراق لأكثر من 12 عاماً، ومارست حصاراً ضد كوبا لمدة ستة عقود من الزمان، واحتلت أفغانستان بزعم القضاء على الإرهاب الدولي التي صنعته مثل “تنظيم القاعدة وتنظيم داعش”.