مصر في مرمى الاستهداف مجدداً
سنان حسن
ما بين الإعلان عن البدء بملء سد النهضة ومن ثم نفيه أو فشل المفاوضات بين الأطراف الثلاثة – مصر والسودان وإثيوبيا – يبدو أن الحلقة المستهدفة الأولى من كل ذلك هو الأمن القومي المصري، والماء جزء لا يتجزأ منه، فاللعب في حصة القاهرة من مياه النيل يعني أن البلد الأكبر في الوطن العربي مهدّد بالعطش والجوع وربما أشياء أخرى، فلماذا الآن ومن يقف وراء ذلك، هل لذلك علاقة بالكيان الصهيوني وحلمه المزعوم “من الفرات إلى النيل”، وما علاقة تركيا أردوغان بالتصعيد الحاصل في ليبيا الآن من البوابة الإخوانية الإرهابية؟ هل ثمة مخطط ما لتقسيم مصر؟
منذ اللحظات الأولى لإعلان أديس أبابا عن إقامة سد النهضة على نهر النيل في عام 2011 والهواجس المصرية مستمرة من الغايات من وراء هذا السد الذي سيحتجز في بحيرته 74 مليار متر مكعب من المياه، وهي نفسها حصة مصر والسودان مجتمعة من مياه النيل، ما يعني أن الادعاءات الإثيوبية بأن القاهرة تستحوذ على الحصة الأكبر هي مجرد دعاية إعلامية الهدف منها الضغط على مصر ودفعها إلى القبول بالأمر الواقع، فخلال الفترة الماضية ومع بدء ملء السد تراجع منسوب المياه في مجر النهر 14 متراً وهذا أمر خطير جداً ومؤشر على أن هناك غايات سياسية من وراء ذلك، علماً أن أديس أبابا تمتلك موارد مائية هائلة عددها وزير الري المصري قبل يومين، وهي غير متوفرة في أي دولة في المنطقة على أقل تقدير.
والأمر الثاني هو عملية التدويل الحاصلة لقضية السد، فبينما كانت الدول تجتمع وتتحاور لإيجاد حل عادل للمشكلة تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وأعلنت استعدادها للوساطة واستضافة جلسات حوار بين الدول المتنازعة، علماً أن الاتحاد الإفريقي كمنظمة قارية هو الأقدر والأجدر على إيجاد حلول ناجعة للموضوع وقد رأينا أنه بعد التوتر الكبير بين القاهرة وأديس أبابا بعد فشل المفاوضات بينهما، تدخلت الكونفدرالية الإفريقية وقربت وجهات النظر وأعلنت عن حل قريب، إلا أن إثيوبيا أخلفت في وعودها في اللحظات الأخيرة، فما علاقة “إسرائيل” بذلك؟
بلغ التعاون بين إثيوبيا وكيان الاحتلال الصهيوني مستويات غير مسبوقة، ولعل في دعم الكيان الصهيوني لأديس أبابا في حربها مع إريتريا ودعمها بالسلاح على مدى سنوات ما يؤكّد ذلك، ولكن الأهم خلال المرحلة الماضية كانت الزيارات المتبادلة بين الجانبين، والتي كان آخرها زيارة آبي أحمد رئيس الوزراء إلى فلسطين المحتلة ولقاء بنيامين نتنياهو معلناً عن استعداده لاستضافة لقاءات علنية بين نتنياهو وعدد من المسؤولين العرب في بلاده، فهل ذلك مجرد صدفة محضة؟ بالتأكيد لا، خصوصاً إذا علمنا أن أديس أبابا تنشر مضادات دفاع جوية “إسرائيلية” لحماية السد من أي هجوم محتمل عليه وهو لن يكون إلا من مصر. طبعاً دون أن ننسى الدور الإسرائيلي في صحراء سيناء ودعمها المفضوح للقوى الإرهابية فيها وعلى رأسها “داعش”.
والأمر الثالث هو العلاقة التركية الإثيوبية المتميزة، فالتنسيق بينهما مستمر ومتواصل رغم محاولة الطرفين أخيراً الإيحاء أنها غير جيدة بعد تسريب خبر عن ضبط شحنة أسلحة تركية متوجهة إلى إثيوبيا دون أن توجّه الأخيرة لها الاتهام، ففي الوقت الذي يقوم به النظام التركي بحشد مليشيات الإخوان الإرهابية على حدود مصر مع ليبيا، تضغط أديس أبابا بتناغم واضح في ملف سد النهضة، وكأن المراد جر مصر إلى مستنقع خطير لن تستطيع الخروج منه في المدى المنظور.
إن ما يجري حول مصر من أحداث مريبة يؤكد أن الاستهداف لها كدولة لها وزنها في الإقليم والعالم مستمر، والكلام الذي يردده المطبّعون الواهمون بأن توقيعها على كامب ديفيد سيجنبها تبعات الحرب الصهيونية على الدول العربية، ولكن الواقع غير الأحلام، فالحرب الإسرائيلية عليها مستمرة، ولكن يبقى الأمل بالقوميين المصريين بأن يحافظوا على أرض الكنانة من الأخطار المحدقة بهم، فأخوتهم في الإقليم الشمالي أعلنوا استعدادهم لان يكونوا معهم كتفاً إلى كتف في مواجهة الأخطار المحدقة بهم، فهل من مجيب؟