.. اختيار الأنسب والأقدر ومنح الصوت لمن يستحق
يتفقُ الجميع اليوم على أهمية انتخابات مجلس الشعب وضرورتها في ظل أوضاع صعبة نعيشها مع ارتدادات الحرب التي يرغب أعداؤنا في استمرارها للنيل من بلدنا بإحكام الخناق عليها اقتصادياً بعد أن عجزوا عن تحقيق مآربهم عسكرياً، وبالتالي فإن المطلوب اليوم من أعضاء مجلس الشعب الكثير، فما قبل الحرب ليس كما بعدها.
منتج وطني
يشير د. خلف المفتاح مدير عام مؤسسة القدس الدولية إلى أن سورية من أولى الدول العربية التي نشأت فيها مؤسسات ديمقراطية، ففي العام 1919 انعقد المؤتمر السوري الذي ضمّ نواباً من سورية التاريخية، أي سورية الحالية ولبنان والأردن وفلسطين، وشكَّل الانطلاقة الأساسية لحياة ديمقراطية حقيقية في سورية، على الرغم من وجود مستعمر فرنسي، وكان تركيز البرلمان السوري على قضية الاستقلال والوحدة العربية ومواجهة الخطر الصهيوني الذي بدأت إرهاصاته الأولى بعد وعد بلفور وسايكس بيكو، وتعزّز دور البرلمان السوري بعد الاستقلال، وكان للمرأة السورية دور ومشاركة فيه، حيث مُنحت حق الانتخاب منذ العام 1949 قبل الأوربيات، مبيناً أن الحياة البرلمانية لم تتعطّل إلا لفترات قليلة هي فترة الانقلابات العسكرية، لتعاود انتظامها بعد قيام الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد عام 1970 وانتقال نظام الحكم في سورية من الشرعية الثورية، أي شرعية الإنجاز، إلى الشرعية الدستورية وصدور دستور دائم للبلاد بعد استفتاء شعبي. واتسمت البرلمانات التي انتُخبت بعد العام 1973 بأنها ضمّت أغلبية من العمال والفلاحين، أي الأكثرية الطبقية بعد أن خيَّمت على البرلمانات السابقة الأكثرية من التّجار وأصحاب رأس المال والساسة التقليديين ورجال الدين وشيوخ العشائر، بينما كان فائض القوة الاجتماعية هو ما يسم أعضاء مجلس الشعب منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. ويوضح المفتاح أنه وعلى الرغم من ظروف الحرب التي مرت بها سورية والاستهداف غير المسبوق الذي تعرّضت له مؤسساتها السيادية وسلطاتها الثلاث، إلا أن انتظام انتخابات البرلمان والرئاسة والإدارة المحلية لم تتعطل إطلاقاً، ما شكَّل استجابة وطنية غير مسبوقة لتحدّ حقيقي واجه الشعب ومؤسساته السيادية.. من هنا تأتي –برأيه- أهمية الانتخابات البرلمانية في الوقت الراهن، حيث تعكس تمسّك الشعب السوري بمؤسساته الوطنية وخياراته الديمقراطية وحرصه على استمرار عمل مؤسساته السيادية التي هي منتج وطني وليست فائض قوة خارجية أو ضغط خارجي، ويعكس أيضاً عراقة المسار الديمقراطي في سورية وتقاليده، ناهيك عن الثقة بأن البرلمان المنتخب سيتفاعل مع الظروف القاسية التي يعيشها السوريون بفعل الإرهاب الاقتصادي والحروب المركبة التي شُنت وتُشنّ عليهم بأشكال وأدوات مختلفة.
أما الاستئناس الحزبي فهو – كما يشير المفتاح – ليس بالمسألة الجديدة على جهازنا الحزبي، ولكنه شكَّل وحدة قياس لذائقته الانتخابية ومعيارية الاختيار لديه ومدى تحلّله من الضغوطات الاجتماعية والثقافة التقليدية والانتماءات الضيقة والغرائزية ومستوى الوعي الذي وصل إليه بفعل الثقافة التي تلقاها من منابر حزب البعث بأشكالها وصيغها المتعددة، والتي يُفترض أنها أعادت تشكيل وعيه وفق إيديولوجيا البعث وفلسفته القومية والإنسانية، ما يعني أننا أمام منتج ثقافي هو الإنسان الجديد.. وبتحليل الناتج الانتخابي الاستئناسي وما شاب عملية الاستئناس من ملاحظات يبيّن المفتاح أن توسيع دائرة الاستئناس بمشاركة قيادات الفرق كان مسألة غاية في الأهمية، ويعكس رهان الرفيق الأمين العام للحزب بشار الأسد على القاعدة الحزبية وتعزيز دورها في الخيارات الوطنية والحزبية، لأن البرلمان هو بالنتيجة مؤسسة وطنية مهمة تضطلع بدور كبير في قيادة البلاد، ونواتها الأساسية وأكثريتها من حزب البعث، ما يعني بالمحصلة أن أغلبية أعضاء البرلمان سيكونون من خيارات قواعد الحزب ويتمثلون أفكاره وثقافته وأخلاقياته، مؤكداً أن الاستئناس حقق نتائج مقبولة، وإن لم تكن على مستوى الطموح، وذلك بسبب الآلية التي جرت وفقها، حيث لوحظ حجم غير مقبول من الأوراق الباطلة، ما يعني أن ثمة خطأ ما قد شابها ولاسيما أنه لم تسبقها عملية توعية وتعبئة للجهاز الحزبي ليمارسها بشكل سلس وهادئ، وكان بالإمكان –برأيه- تجاوز تلك الأخطاء لو تمّ توزيع أوراق استئناس لكل رفيقة ورفيق مختومة وممهورة بتوقيع المشرف على عملية الاستئناس ويُمنح المستأنسون وقتاً مناسباً للاختيار، كأن يكون ليوم بحيث يتدارس كل رفيق الأسماء ويختار بتأنٍ من يراه مناسباً ثم يغلق الظرف الذي بحوزته ويضعه في الصندوق المخصّص لذلك بعد التأكد من هويته عبر الجداول الموزعة، وكان ممكناً –برأيه- أن يختار كل مستأنس العدد المطلوب فقط وليس ضعفه، ثم يؤخذ بعد ذلك ضعف العدد حسب تسلسل الفائزين، وهذا كان سيخفّف هامش الخطأ الذي حصل وفق الآلية التي جرت فيها عملية الاستئناس، والتي تبقى تجربة جيدة وخياراً سليماً عزّز من دور قيادات الفرق وأشعرها بمسؤوليتها وما يترتب عليها مستقبلاً من مهام اجتماعية وتوعوية كبيرة، ولعلّ سلبيتها برأي المفتاح تكمن في عدم الإعداد الجيد لها والاعتقاد الخاطئ بأن الترتيب في النجاح سيكون هو الفيصل في تسمية قوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية.
الأنسب والأقدر
ويؤكد د. محمد الحوراني رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب أن انتخابات مجلس الشعب يجب أن تكون الأهم في تاريخ بلدنا لأسباب كثيرة، لعلّ من أهمها أن بلدنا غدا في نهاية النفق المظلم الذي أراد البعض لسورية أن تعيش فيه ربما لسنوات طويلة وسط حالة من التدمير والفوضى والاقتتال التي عملت على تكريسها التنظيمات الإرهابية والدول الراعية لها، وقد قدمت سورية خيرة أبنائها في سبيل الحفاظ على استقلالية قرارها وصون كرامتها، مشيراً إلى أن الانتصار على الإرهاب وأهله لا يعني نهاية كل المخططات التدميرية التفتيتية التقسيمية التي خُطّط لها، بل إن المرحلة المقبلة ستشهد –ربما- انتقالاً لأنواع أخرى من الحروب لا تقلّ خطورة عن الحرب الحالية، لذلك فإن المرحلة المقبلة في تاريخ سورية يجب أن يكون فيها الانتباه والاهتمام كله منصبّاً على المواطن وحقوقه ومعيشته، وثمة محاولات لجعل هذا المواطن يكفر بوطنه وبدولته وبرموزه الوطنية بسبب افتقاره إلى أدنى مقومات الحياة وعجزه عن تأمين قوت صغاره اليومي.. من هنا تأتي أهمية انتخابات مجلس الشعب لجهة العمل على زيادة الوعي عند الناخب لجعله يختار الأقل سوءاً من قبل بعض المرشحين، ولجهة كشف حالات الفساد والإفساد التي من شأنها أن ترافق الانتخابات، أو محاولات تلميع هذا المرشح أو ذاك ممن لا يهتمّ للمجلس إلا بمقدار ما يعطيه له من سلطة أو “بريستيج”، ذلك أن بعض المرشحين لا يعنيهم المواطن ومعيشته بأي حال من الأحوال، والمواطن بالنسبة لهم ليس أكثر من صوت انتخابي لتحقيق زواج فاسد وغير مقدس بين المال الفاسد والسلطة الفاسدة التي لا تعني لهم أكثر من مكتسبات شخصية وآنية، وهنا -كما يبيّن الحوراني- يأتي دور المؤسسات والمنظمات التربوية والإعلامية والثقافية والشبابية للتأكيد على ضرورة اختيار الأنسب والأقدر على العمل وتحقيق طموحات الشعب الذي طحنته الحرب ليأتي غلاء المعيشة والفساد فيكمل طحن ماتبقّى من جسده المنهك وصبره الفولاذي، لذلك يؤكد الحوراني على أننا بأمسّ الحاجة لمجلس قويّ ومتماسك قادر على الوقوف في وجه الفساد وأهله، وعلى إفشال ما يعترضنا من مخططات تهدف للقضاء على دولتنا الوطنية، وهذا يعني ضرورة تكاتف الجهود بين جميع المعنيين لتحقيق هذا الهدف، خاصة وأن السيد الرئيس أكد في اجتماعه الأخير مع أعضاء القيادة المركزية، وكذلك في الرسالة المكتوبة التي سبقت الاستئناس على ضرورة الانتباه إلى مواطن الخلل وكشف الفساد وأهله، لأننا عندما ننجح بهذا برلمانياً يمكن أن نخلق مجتمعاً أكثر تماسكاً وقوة، ويمكن أن نتجاوز الكثير من السلبيات التي من شأنها أن تعرقل عملية النهوض والانتعاش والاستقرار المجتمعي.
الصوت لمن يستحق
يوضح محمد زغلول أمين سر فرع ريف دمشق لنقابة الفنانين أن مجلس الشعب مؤسسة دستورية تمثّل الشعب، من هنا فإن انتخابات أعضائه ومشاركة الجميع في هذه الانتخابات أمر ضروري، فلكل مواطن صوته الذي يمكن أن يشكّل فارقاً في اختيار هؤلاء الأعضاء، فدور المواطن السوري واحتراماً لأرواح شهدائنا وتقديراً لتضحياتهم وتضحيات جرحى الجيش العربي السوري، يجب أن يتحمل مسؤوليته من خلال منح صوته لمن يستحق، مبيناً أن أهم ما يميّز انتخابات هذا العام أنها أتت بعد 10 سنوات حرب ما زلنا نعاني من ارتداداتها حتى اليوم، مشيراً إلى أن الاستئناس الحزبي تجربة مهمّة بكل إيجابياتها وبعض سلبياتها، لأنها تعزّز الأشخاص الذين تواصلوا مع الناس خلال فترة الحرب، فمن عَمِلَ خلال هذه الفترة من أجل الشعب والوطن أصبح معروفاً، ومن لم يعمل كذلك، وبالتالي فإن الاستئناس يساعد على تعزيز المرشحين ومعطياتهم، وهذا درس مستقبلي لأي شخص مسؤول بضرورة التواصل مع المواطن وخدمته وخدمة البلد.
أمينة عباس