التبغ السوري.. البحث عن طاقة إنتاجية عالية وجودة تنافسية محلية وتصديرية
ارتفعت أسعار السجائر والتبغ عموماً، مثلها كباقي السلع والمنتجات المحلية، بل وتجاوزت الحدود المتوقعة لنسبة الارتفاع، ولعل ذلك يتعلق بكون التبغ من السلع المستهلكة بشكل كبير في مجتمعنا، علاوة على خصوصية هذه السلعة إذ إنها تختلط بما يوجد في الأسواق من سلع مهربة وأجنبية، يدرك الجميع استغلال الباعة لتلك المنتجات ولصقها بطابع الاستيراد أو التهريب رغم أن معظمها صناعة محلية، فعلى الرغم من أن البعض يرى عدم أهمية ارتفاع أسعارها باعتبارها سلعاً ترفيهية، لكن الواقع يؤكد أن معظم السوريين يستهلكونها كمادة مهمة في حياتهم اليومية ومؤثرة على اقتصادهم المنزلي، حيث لا يمكن الاستغناء عنها أو إلغاؤها بل تؤثر أيضاً على تأمين احتياجاتهم الأخرى.
مواد مستوردة
لم يكن دور المؤسسة العامة للتبغ في هذه المرحلة ثانوياً فهي تتبع سياسة كل ما ينتج يباع، ومن خلال المتابعة لعملية تسويق المنتجات والتكامل بين خطتي الإنتاج والتسويق ونتيجة للطلب المتزايد على المنتج المحلي الوطني وتفضيل المستهلكين للسجائر الوطنية على الأجنبية فقد تجاوزت نسبة التنفيذ 100% خلال النصف الأول من العام 2020 مقارنة مع ما يقابلها من العام السابق لنفس الفترة من الكميات المخططة والمنفذة لمبيعات المؤسسة، وفيما يتعلق بارتفاع أسعار الدخان الوطني يكشف تقرير المؤسسة جملة من المواد التي تدخل في صناعة التبغ، إضافة إلى المادة الأساسية، وهي التبغ الخام نحو 70 مادة، والتي تسبب ارتفاع سعره ومعظم هذه المواد يتم استيرادها وتخضع أسعارها لتقلبات سعر الصرف، وتشكل نسبتها من التكاليف النهائية للمنتج نحو 55%، وقد لاحظنا خلال الفترة الماضية قيام بعض التجار بزيادة أسعارهم بنسب تفوق 100% لبعض المواد، ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة المنتج ويشكل عبئاً على المؤسسة وإيراداتها، وبالرغم من ذلك ونتيجة للإجراءات التي اتخذتها المؤسسة والتي تسعى من خلالها إلى تخفيض نسب الهدر وترشيد الإنفاق واقتصاره على الضروريات فقد استطاعت المؤسسة الاستمرار بتأمين جزء من حاجة السوق من السجاير الوطنية وتحقيق نتائج جيدة، ويتجلى ذلك من خلال الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الوصائية.
تحسين المواصفات
كذلك تعاني المؤسسة من نقص في موادها الأولية وتأمين حاجتها الإنتاجية، وبحسب مدير التخطيط والتعاون الدولي المهندس سليمان عباس إن عملية زراعة وصناعة التبغ والاتجار به تخضع لسلسلة من الحلقات وأي خلل في هذه السلسلة سيترتب عليه نتائج سلبية لهذه الصناعة، وبالتالي لا يوجد لدينا نقص في تأمين المواد الأولية، ولكن هناك صعوبة بالغة في تأمينها بسبب العقوبات المفروضة على القطر بشكل عام وعلى المؤسسة بشكل خاص، والتي فرضت منذ عام 2012، حيث معظم المواد مستوردة باستثناء مادة التبغ الخام، ويضيف عباس: تقدر الطاقة الإنتاجية لكافة خطوط الإنتاج الحالية، والتي يعود بعضها إلى السبعينيات من القرن الماضي بنحو 8000 طن سنوياً بعد أن كانت 16000 طن قبل الأزمة، وما قامت به العصابات المسلحة من تخريب وسرقة خطوط الإنتاج في كل من دمشق وحلب، وحالياً المؤسسة تغطي نحو 25% من حاجة السوق فقط وذلك في ظل الطاقات المتوفرة حالياً فالمؤسسة غير قادرة على تغطية حاجة السوق المحلية، وعلى الرغم من ذلك تسعى إلى توريد وتركيب خط إنتاج جديد يساعد في زيادة الطاقات بشكل مقبول، إضافة إلى تركيب خط إنتاج في طرطوس بطاقة إيجابية 400 طن سنوياً، وبعد اتباع آلية جديدة لشراء التبوغ والتي تمثلت بالشراء الفني “الجودة”، الأمر الذي أدى إلى انعكاس ذلك على نوعية المزيج وتحسين مواصفات السجائر.
شركات أجنبية
وفي خطوة إيجابية تمكنت المؤسسة من تصدير منتجاتها نتيجة لتوفر فائض من بعض الأصناف الموجودة في المؤسسة، فقد حاولت التواصل مع عدد من الشركات الأجنبية التي تعنى بأمور التبغ لتسويق الكميات المتوفرة، ويضيف عباس: تم ذلك من خلال مراسلة بعضها، حيث تم التوصل إلى اتفاق مع شركة زيمكس اللبنانية لتصدير كمية 100 طن من تبغ “شك البنت” البلدي خلال العام الماضي، ولكن وبسبب العقوبات المفروضة على المصارف توجد صعوبة في إكمال عمليات صفقات تصدير التبوغ بالرغم من وجود بعض الشركات، والتي طلبت نماذج عن تبوغنا وأسعار تصديرها، أما فيما يتعلق بارتفاع أسعار منتجات المؤسسة فيعود ذلك لتعديل سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، فأصناف السجائر المنتجة محلياً واحدة من مجموعة السلع الاستهلاكية اليومية التي تأثرت سلباً إلى حد كبير بسبب العقوبات الاقتصادية بما فيها المصرفية المفروضة على القطر، وكل منا يعلم أن السعر لأي سلعة يرتبط بقيمة المواد اللازمة لإنتاجها، إضافة إلى عدد من الرسوم والضرائب التي تحددها الجهات الوصائية مع نسبة الربح القانوني التي تمكن المنتج من الاستمرار فإذا كانت قيمة التبوغ المحلية تشكل نحو45% من مجموعة تكاليف إنتاج السجائر فإن 55% المتبقية ذات المنشأ الأجنبي أصبحت في ظل المقاطعة الخارجية وارتفاع سعر الصرف ومعوقات الشحن ذات تكلفة عالية جداً وصلت إلى إضعاف ما كانت عليه بسبب إحجام الشركات الأجنبية عن التوريد وللارتفاعات غير العادية والمعهودة لأسعار القطع الأجنبي، الأمر الذي كان لابد معه من رفع أسعار المصنوعات لنتمكن من الاستمرار بتوفير هذه السلعة، والتي يحدث فقدانها أزمة في الأسواق المحلية نظراً لخصوصيتها، مشيرين إلى أن أسعار المصنوعات الحالية للمستهلك ليست مرتفعة قياساً بأسعار المواد الأخرى على اختلافها ولا نكون منصفين إذا عمدنا إلى مقاربة سعر مبيع المنتج المحلي “السجائر” مع سعر شراء التبغ الورق الخام فهناك آلاف من العاملين وخطوط إنتاجية ومبان وآليات وخدمات ومواد أخرى داخلة في عملية إنتاج السجائر يصل تعدادها إلى نحو 70 مادة.
نظرة مستقبلية
تعمل المؤسسة العامة للتبغ على الاستمرار بزيادة إنتاجها، وتلبية حاجة الأسواق المحلية والحفاظ على جاهزية خطوط الإنتاج، بالإضافة لتركيب خط إنتاج جديد في طرطوس بطاقة إنتاجية 400 طن سنوياً لزيادة الطاقات الإنتاجية، وطرح منتج في نهاية العام الحالي أو بداية العام القادم، وبعد الانتهاء من التجارب التي يجريها فنيو المؤسسة على تحسين مواصفات وجودة التبغ “الفلش” وترشيد الإنفاق واقتصاره على الضروريات فقط، وتشكيل لجنة في المؤسسة لمتابعة ضبط الاستهلاك وأخرى لدراسة التكاليف المعمارية.
ميادة حسن