قد لا يكون أمام مصر سوى الحرب مع إثيوبيا
ترجمة: هناء شروف
عن الإندبندنت 16/7/2020
عندما حذّرت صحيفتنا في آذار الماضي من أن الحرب بين مصر وإثيوبيا على سد النهضة ممكنة، إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، اتهمنا حساب تويتر الرسمي لوزارة الخارجية الإثيوبية بأننا “مقلقون وغير دقيقين”، واليوم وصلت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا إلى نهاية دبلوماسية، وبالفعل تبدو الحرب وكأنها السيناريو الوحيد الممكن، على الرغم من أن العالم لا يزال يقلل من ضرباته على الطبول.
وصلت محادثات الاتحاد الأفريقي بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير الممتد على النيل الأزرق، إلى طريق مسدود آخر. وتخشى مصر أن تتأثر حصتها من مياه النيل بشدة إذا بدأت إثيوبيا في ملء 74 مليار متر مكعب من دون اتفاق مع جارتيها مصر والسودان. تريد القاهرة ضمان حصتها السنوية من المياه خلال فترات الجفاف الشديد، لكن إثيوبيا ترى أن السد وتشغيله حق سيادي، وتقاوم الدعوات إلى اتفاق لا يضمن ترتيبات جديدة بشأن حصتها “العادلة” أيضاً. وتقول: إنها ستبدأ من جانب واحد في ملء السد في الأسابيع القليلة المقبلة، بغض النظر عن نتيجة هذه المناقشات.
أظهرت صور الأقمار الصناعية أن خزان السد بدأ بالفعل في الامتلاء، ربما بسبب الأمطار الموسمية، ولكن إذا نجحت أديس أبابا في تهديدها، فمن المرجح أن تتخذ الأزمة منعطفاً جديداً.
يتهم المسؤولون المصريون الحكومة الإثيوبية باتباع سلسلة من الحيل الدبلوماسية منذ التوقيع على إعلان المبادئ لعام 2015، الذي يشير إلى أنه يجب على جميع الأطراف التوصل إلى اتفاق أولاً قبل ملء الخزان، فقد أثار وزير الخارجية المصري سامح شكري القضية أثناء اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير لمناقشة محطة الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، ووصف السد بأنه “تهديد ذو أبعاد وجودية محتملة”، وفي لحظة صاخبة هدد بأن “مصر ستدعم وتحمي المصالح الحيوية لشعبها. البقاء ليس مسألة اختيار، بل ضرورة من الطبيعة”، ورد سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة قائلاً: “إن الحصول على موارد المياه لشعب بلاده ضرورة وجودية”.
وهنا ليست المياه فقط المصلحة الحيوية الوحيدة على المحك، ولكن شرعية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يقاتل من أجلها أيضاً. فمنذ توليه السلطة في عام 2014 ، قدم السيسي رواية شعبوية قومية تقوم على تنمية الكثير من الكبرياء بالقوة العسكرية، ورفع توقعات الناس بشأن قدرته على حماية “أمن مصر القومي ومصالحها”. يفهم السيسي أنه بخسارة المعركة الدبلوماسية حول ملء السد والاستسلام للضغوط من إثيوبيا، فإنه سيخاطر بإشعال الاضطرابات الشعبية، وربما الانقلاب العسكري.
وكذلك يرى الإثيوبيون السد كعلامة للنهضة والفخر القومي، وقد تمت تغطية تكلفته البالغة 4.8 مليارات دولار من رواتب موظفي الدولة وتبرعات أخرى من الناس العاديين والفقراء، كما أن رئيس وزراء إثيوبيا الحائز على جائزة نوبل يواجه اضطرابات سياسية وعرقية في الداخل، إلا أن سد النهضة هو أكبر قضية سياسية يمكن للإثيوبيين أن يتجمعوا من خلالها، ويمكن أن تمد رئيس إثيوبيا بالوحدة الوطنية التي يحتاجها بشدة، وإذا تخلى عن ذلك يمكن أن تلاقي حكومته رفضاً من قبل الناس أو من قبل الجنرالات الساخطين الذين يعارضون إصلاحاته الديمقراطية، التي يرى الكثيرون أنها متهورة.
إثيوبيا شريك أساسي للولايات المتحدة، وعلى الرغم من اعتماد السيسي على علاقته الشخصية مع ترامب إلا أنه لا يستطيع تجاهل أهمية إثيوبيا الاستراتيجية للولايات المتحدة كحصن ضد الإرهاب في شرق أفريقيا، وكشريك في المسعى الأمريكي لوقف استثمارات الصين والنفوذ المتزايد في إثيوبيا والقرن الأفريقي، وهذا لا يترك مجالاً لمصر للمناورة، لكن مثل تعثره في التفاوض بشأن نزع السلاح النووي لكوريا الديمقراطية، فإن فشل دونالد ترامب في التوسط في الصراع في المنطقة وضغوط انتخاباته الرئاسية التي تلوح في الأفق هي أسباب كافية له لفقدان الاهتمام بالموضوع، وهذا يمكن أن يدفع مصر إلى القيام بعمل عسكري لتوجيه انتباه المجتمع الدولي نحو الصراع وفرضه على جدول أعمال الرئيس الأمريكي المقبل. إنها نفس الاستراتيجية التي استخدمها الرئيس السادات لكسر الجمود الدبلوماسي حول وضع اللاسلام، واللاحرب مع إسرائيل عام 1973، وانتهى ذلك الصراع العسكري بتوقيع معاهدة سلام دائمة بين البلدين في عام 1979.