دراساتصحيفة البعث

أمريكا بحاجة للحجر السياسي …

إعداد: عناية ناصر

 

تبدو الولايات المتحدة في خضم مواجهة موجة ثانية من الفيروس التاجي، فوفقاً للمقاييس العالمية، هناك 36015 حالة جديدة، وهو أعلى رقم منذ الأول من أيار الماضي، وثالث أعلى حالة على الإطلاق، حيث تتجه أريزونا، وفلوريدا، وكارولينا الجنوبية، وكاليفورنيا، وتكساس إلى حالة طوارئ صعبة للغاية.

أمام هذا الواقع، تنظر أوروبا، التي احتوت الفيروس إلى حد كبير، إلى أمريكا بالريبة، فمن المرجح أن يغلق الاتحاد الأوروبي حدوده أمام المسافرين الأمريكيين عندما تعود بعض الرحلات الدولية للعمل من جديد، كما أنه من المرجح أن تبقي كندا حدودها مع أمريكا مغلقة في الغالب عند انتهاء الاتفاقية الحالية في 21 تموز.

يبدو جلياً لماذا تواجه الولايات المتحدة موجة ثانية، فقد كان الغرض من عمليات الإغلاق، كما قيل قبل أشهر، هو كسب الوقت بالنسبة للحكومات لاحتواء الفيروس بشكل أكثر فعالية، لكن إدارة ترامب لم تحاول فعل ذلك على المستوى الوطني، ولم تفعل أي شيء ذي أهمية، وباتت السياسة الأمريكية معطلة لدرجة أنها لم تتمكن حتى من إدارة أبسط استراتيجية احتواء منطقي لفرض ارتداء الكمامات في أية مساحة داخلية.

أمضى خبراء الصحة العامة الأمريكيون أسابيع في حملة جهل غريبة ضد الكمامات، ووجدت دراسة أجريت بهذا الخصوص أنه حتى الكمامات الرخيصة المصنوعة في المنزل تقلل بشكل كبير من العدوى القائمة على انتقال الرذاذ، ولكن حتى بعد ظهور الكثير من الأدلة الجديدة، يستمر ترامب ومعظم الجمهوريين في الإصرار على أن الكمامة هي مسألة اختيار شخصي.

لا يمكن لترامب ببساطة أن يفهم ما هو الوباء، إنه منزعج بشكل واضح من الأرقام السيئة للعدوى والوفيات، ويستمر في الإيحاء علناً ​​بأن الولايات المتحدة يجب أن تعمل أقل حتى تبدو أقل سوءاً.

مما لا شك فيه أن ذلك أمر مثير للقلق للغاية بالنسبة للناس في جميع أنحاء العالم الذين يفهمون حقاً أن أقوى دولة في العالم يديرها مهرج غير كفء لا يمكن الوثوق به، يقول عالم الأمراض النيوزيلندي سيوكسي وايلز لصحيفة واشنطن بوست: “لا أستطيع أن أتخيل ما يجب أن يكون عليه الأمر في الذهاب إلى العمل حين يعلم الناس أنه غير آمن، سيكون هناك المزيد والمزيد من الناس المصابين، والمزيد من الوفيات، إنه أمر مؤلم”.

لقد كافح الصحفيون الأمريكيون لكشف حقيقة ترامب، لكن ترامب ليس المشكلة الوحيدة في الولايات المتحدة، فقد شهدت نيويورك أسوأ تفش في البلاد (حتى الآن)، لأن الحاكم أندرو كومو، وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو توانيا ماطلا في مراحله المبكرة، وربما يجسدون في ذلك سمة مميزة للسياسيين الأمريكيين، وهي “تفادي تلقي اللوم”، لأنهم عندما يواجهون مشكلة يفكر معظم السياسيين في كلا الحزبين أولاً في كيفية تحويل اللوم إلى الآخرين، أو الظهور كضحية للظروف، كان وقف الوباء يتطلب في مراحله المبكرة الكثير من العمل الحاسم قبل أن تكون الحاجة إليه واضحة. باختصار، كان على السياسيين أن يمارسوا السلطة بطريقة قد تزعج الناس، وأن يفسروا سبب قيامهم بهذه الإجراءات، ولكن بدلاً من ذلك سمحوا للجائحة بالتفشي، وبعدها تم إلغاء المواسم الرياضية، كان بإمكانهم فرض عمليات الإغلاق دون المخاطرة برد فعل عنيف، فقد قتل ذلك الجبن عشرات الآلاف من الناس، فقط قلة من حكام الولايات، مثل جاي انسلي من واشنطن، استمعوا بالفعل للمختصين وتصرفوا قبل وقوع الأحداث.

هناك الآن ولايات عديدة تصارع تفشي المرض، ومرة ​​أخرى يتابع السياسيون الأحداث بدلاً من توقعها، ففي أواخر شهر أيار الماضي، حذر العديد من الخبراء حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم من إعادة فتح الولاية بسرعة كبيرة، ولكن في ظل الانتقادات من أولئك الذين لا يحبون الإغلاق، استمر مندفعاً إلى الأمام، لقد ترك الأمور إلى حد كبير لمسؤولي المقاطعة، وكثير منهم من المحافظين الذين يرفضون إطاعة سلطته، الآن وقد أدت عملية إعادة الفتح إلى نتائج عكسية، هدد نيوسوم بأن المقاطعات التي ترفض اتباع إرشادات مكافحة الجائحة قد تفقد مساعدة الدولة.

في تكساس، وجد الحاكم غريغ أبوت نفسه في وضع صعب محاولاً تجنب أي نوع من تحمّل المسؤولية، وسرعان ما ألغى أمره بإغلاق الشركات بسبب غضب المحافظين، ورفض السماح للمدن المحلية بتنفيذ أوامر ارتداء الكمامات الإلزامية، وبدلاً من ذلك، ترك ثغرة تسمح بتفويض الشركات لتطلب أقنعة، وفي الوقت نفسه، تأخر حاكم فلوريدا رون ديسانتيس في اتخاذ التدابير، ووعد مؤخراً أنه سيطبق بالفعل قواعد الوباء على الحانات والمطاعم، لكنه لم يفرض ارتداء القناع في الأماكن العامة.

كتب آدم تووز في فورين بوليسي: “لايزال الاحتياطي الفيدرالي في قلب النظام المالي العالمي، والواقع أنه أنقذ الكثير من دول العالم من أزمات عملات متعددة، كما فعل في عام 2008، على الأقل لم نشهد انهياراً  فوضوياً للنظام المالي، لم يكن بمقدور أي أحد منعه، في الوقت الحالي لا يوجد أحد آخر لملء خزانة الولايات المتحدة”.

لا شك أن الدولة التي يمكن أن تنتخب دونالد ترامب هي دولة مريضة للغاية وعميقة، لأنه عندما تكون دولة مصابة بالغرغرينا مثل الولايات المتحدة، يميل العفن إلى الانتشار عبر نظامها بالكامل عاجلاً أم آجلاً، وطالما أن الحزب الجمهوري لم يُهزم سياسياً بشكل كامل، ويبذل الديمقراطيون قصارى جهدهم لاستلام الحكم، سيكون من الحمق الشديد الاعتماد بأي شكل من الأشكال على المؤسسات الأمريكية، ما يعني أنه في السنوات القادمة قد تبدأ دول العالم استراتيجية احتواء النظام السياسي الأمريكي المتقيّح لمنع الخلل الوظيفي من الانتشار عبر حدودها، كما يفعلون الآن لوقف انتشار الفيروس التاجي.