ليسوا بالممثلين الخارقين!!
من تابع آراء الكثيرين قبل انتخاب ممثليهم إلى مجلس الشعب يخلص بنتيجة واحدة على الأقل، وهي أنهم يعقدون عليهم الآمال الكبيرة ويريدون ممثلين خارقين قادرين على حلّ أزماتهم المستعصية. وتركزت انتقادات الجميع تقريباً على غياب البرامج للمرشحين، وإنفاق المقتدرين منهم أموالاً كثيرة على الحملات الدعائية!
ويكاد يُجمع من أدلوا بآرائهم أن الأدوار التشريعية السابقة لم تكن على قدر المسؤولية بتلبية مطالب الناس، وخاصة ما يتعلق بالحياة المعيشية.. إلخ. وبغضّ النظر عن كل ما قيل، فإننا نؤكد بأن أعضاء مجلس الشعب ليسوا ممثلين خارقين قادرين على تلبية طروحات ناخبيهم بالخطابات “المفحمة”، ولا بالاقتراحات الخلاقة، ولا بعقد جلسات ساخنة جداً مع الحكومة.. إلخ. والمسألة ليست بوجود برامج من عدمها، وإنما بالإمكانات المتاحة.
فإذا كان المستقلون انشغلوا بالإنفاق على الدعاية والإعلان أكثر من توزيع البرامج، وهذا أمر طبيعي في أية انتخابات عندنا أم عند غيرنا، فإن الأحزاب السياسية التي طرحت مرشحيها تملك برامج اقتصادية ترى فيها بأنها الحل للأزمات في حال نفذتها الحكومة!.
وإذا أردنا الدقة أكثر فإن مجلس الشعب لا يختلف كثيراً عن نظرائه في أية دولة بالعالم، فهو سلطة تشريعية لا تنفيذية، مهمته الرئيسية مراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها على تقصيرها في المجالات التي تُطّور الاقتصاد وتخدم مصالح الناس.. إلخ.
وبما أن الحكومات في الأدوار التشريعية السابقة على مدى العقود الثلاثة الماضية قصّرت في الكثير من المجالات، فإن السؤال: لماذا لم يستجوب مجلس الشعب الوزراء المقصّرين ويحجب الثقة عنهم كما فعلها في عام 1988؟ وقد منح الدستور “قوة” أخرى لمجلس الشعب تتجسّد بتشكيل لجان خاصة للتحقيق في أية قضية فساد أو أزمة تعصف بحياة الناس كارتفاع الأسعار، وتدهور الحياة المعيشية، وتراجع القدرة الشرائية لليرة وارتفاع معدلات البطالة..
ومرة أخرى “قصّر” المجلس في الأدوار التشريعية الأربعة الماضية على الأقل بتشكيل أية لجنة تتقصّى قضايا الفساد وأزمات الناس.. فلماذا؟!
هل أخطأ الناخبون باختيار ممثليهم في الأدوار التشريعية السابقة.. أم ماذا؟
ومن المهمّ جداً الإشارة إلى أنه ليس من مهام عضو مجلس الشعب تسجيل “بطولات” أو ممارسة “عنتريات” خطابية ليسجل من خلالها “لايكات فيسبوكية” أو “متابعات تويترية” أو “تصفحات انترنتية” ليوحي لناخبيه أنه مهتمّ بأمرهم وبمطالبهم وبأنه صوتهم الرنان الوحيد المسموع أمام الحكومة.. إلخ.
المهمة الفعّالة والمنتجة لعضو المجلس تكون بممارسة صلاحياته الدستورية، وهو لا يمكنه ممارستها منفرداً وإنما بالتعاون والتنسيق مع لجان المجلس الدائمة والخاصة، ولاسيما ممثلي العمال والفلاحين.
لقد نصّ الدستور على أنه (يجب أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين) وبالتالي السؤال: هل انتخبنا فعلاً من يمثل العمال والفلاحين.. أم ماذا؟
وبغضّ النظر عما ينتظره الناس من أي دور تشريعي، يجب التركيز على مهام المجلس الدستورية وهي اقتراح القوانين، وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء، وإقرار القوانين، ومناقشة بيان الوزارة، وحجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء، وإقرار الموازنة العامة والحساب الختامي، وإقرار خطط التنمية.
ولعلّ السؤال هنا: لماذا لم يُحاسب الأعضاء في الأدوار التشريعية السابقة الحكومة لعدم تنفيذ بياناتها الوزارية أو خططها السنوية التي أقروها لها؟. ولو شكّلت المجالس السابقة لجاناً في القضايا التي تشغل الناس، وأعدّت حولها التقارير والتوصيات وناقشتها مع الحكومة.. لتمكنت من المساهمة في تشخيص الداء ووصف الدواء.
أما عندما تقصّر الحكومة بتنفيذ توصيات “الناس”، فإن بإمكان المجلس عندها حجب الثقة عنها فوراً، وهذا الأمر لم يحصل على مدى الأربعين سنة الماضية.. فلماذا؟!.
بالمختصر المفيد: نأمل أن يكون الناخبون نجحوا هذه المرة باختيار ممثليهم ومنهم 50% من العمال والفلاحين كي نشهد دوراً تشريعياً حافلاً بمناقشة تقارير لجانه الدائمة والخاصة المتعلقة بمكافحة الفساد وقضايا الناس، وحتى لا نشهد نسخة مكررة من المجالس السابقة!.
نعم.. ليس المطلوب ممثلين خارقين للشعب ينشغل بعضهم “بالعنتريات”، وإنما ممثلون يمارسون صلاحياتهم الدستورية فقط بالتنسيق مع زملائهم وخاصة مع ممثلي العمال والفلاحين.
علي عبود