الروح وقداستها عند عبد العزيز أبو شيار في “معارج الروح”
يولي الشاعر عبد العزيز أبو شيار أهمية كبيرة للروح في مجموعته الشعرية “معارج الروح” التي تضم أربعاً وعشرين قصيدة، تسع عشرة منها من الشعر العمودي، وخمس منها من الشعر الحديث، يتبدى لنا ذلك ليس من العنوان فحسب، وإنما من عناوين قصائد كثيرة في مجموعته وردت فيها كلمة (روح)، هذا عدا عن ورودها في قصائد المجموعة مرات عديدة.
والروح هي كلمة ذات طابعٍ فلسفي، يختلف كثير من الباحثين والدارسين في تحديد تعريف موحد لها، أو تحديد ماهيتها على صعيد الفلسفات، والأديان المختلفة، ولكن أجمع الكثيرون على أنها ذات قائمة بنفسها لها طبيعة معنوية غير محسوسة، أو ملموسة، وعلى الرغم من هذا الإجماع بقي الأمر محل شك، أما البعض الآخر فإنه يعتبر الروح مادة (أثيرية أساسية)، وهي من الخصائص المعجزة الفريدة في جميع الكائنات الحية.
أما حقيقة الروح فقد ترك القرآن بيانها، ومع ذلك فليس في القرآن ما يمنع العلماء من البحث في حقيقتها شأن كل مجهول يحاول الإنسان أن يدركه سواء وصل إليه أم لم يصل، وقد يفهم من قوله تعالى:
“ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”، ولذلك كان إهداء المجموعة إلى الروح، وهذا جزء مما كتبه الشاعر في إهدائه:
“أيتها الروح طيري في مدارج اللامنتهى/ وارسمي بنورك حياة أخرى/ بعيداً عن صخب الطين”.
تطالعنا أول قصيدة في المجموعة وعنوانها: (مرايا الروح)، حيث نرى الشاعر يعلي من جمال الروح لا الجسد عبر حوار لطيف بينه وبين أنثى يعشقها ترد عليه حين يثني على جمالها:
“وقد عشقت جمالاً لا خلود له/ إن المحاسن بالأيام تندثر/ إن الزهور التي فاضت محاسنها/ تموت حتماً ويذوي غصنها الخضر”.
إلى أن يقول:
“والحب إن قادت الأجساد موكبه/ حتماً إلى الحمأ المسنون منتحر/ الروح موكبها الأنوار مشرعة/ ترقى معارجها في العشق تنصهر/لما ارتديت يقين الروح في حلل/ أبصرت كل مرايا الوهم تنكسر”.
ومن القصائد الجميلة معنى وفكراً في المجموعة قصيدته (قصيدتنا مثنى) يؤكد فيها أن جمال الكون في ثنائية (الرجل والمرأة) فلا غنى لأحدهما عن الآخر يقول:
“فبالجنسين يكمل كل عيش/ فهن بذا شقائق للرجال/ وسنته يقدرها بشفعٍ/ سوى ربي تفرد بالجلال/ فنحن لباسهن بكل لون/ وهن لباسنا في كل حال”.
ومن الشعر الحديث اخترت قصيدة (لونجا)، ومعنى لونجا: المرأة فائقة الجمال، ولونجا هذه تحولت إلى أسطورة الجمال في الخيال الشعبي، وهي شخصية إحدى القصص الشعبية المشهورة جداً في الجزائر، وهي المرأة ذات المهر الغالي التي يقطع من أجلها الشاب الأمير كل الصعاب والأهوال من أجل أن يفوز بجمالها الذي لا مثيل له، وهي في أحد معانيها أيضاً في الموسيقا العربية تعني: المقام الموسيقي، تصاغ غالباً في ميزان ثنائي مركّب، يعرف هذا المقام بالطابع السريع والبسيط، وتعتمد ألحانه على الفقرات الموسيقية التي تبرز مهارة العازف، وقدرته على الأداء الجيد، وقد صيغت عليه أجمل الروائع العربية، وأبدع من خلالها الموسيقيون العرب أجمل روائعهم، منها “لونجا” أو “لونڤة” رياض السنباطي، وفريد الأطرش، وغيرهما، كما نجد هذا الاسم أيضاً يمتد إلى ربوع الحضارة الأندلسية، حيث توجد في اسبانيا سلسلة من الفنادق الراقية “كالا لونجا” في منطقة مينوركا السياحية.
ونجد الشاعر يورد المعنيين: الجمال، والموسيقا:
“لونجا ياسيدتي كم أنت خرافية الحُسن!/ يا عقداً في جيدك يلعب طفلا / يا امرأة لا أحبها بالعمر ولا بالأعوام/ تعالي يا سيدة صنعت من فاكهة الأسطورة/ قد تتحقق في مقتبل الأحلام/ لونجا يا ذات السالف إذ يمتد بحارا/ أو عزفاً منفرداً من نهاوند/ يا من تسبح في ماء فؤادي/ زهراً ورديا”.
وقصيدة (أزهار بودلير) تذكرنا بديوان (أزهار الشر) للشاعر شارل بودلير 1867- 1821، وهو شاعر وناقد فني فرنسي بدأ كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه (أزهار الشر)، وهو من أبرز شعراء القرن التاسع عشر، ومن رموز الحداثة في العالم، وقصيدة الشاعر تبتدئ بحكمة جميلة، وسنجد أن مضمونها ألا نغتر بالشكل الجميل، وإنما المضمون هو الجوهر الحقيقي، وكأنها الروح من جديد التي كانت محور مجموعة الشاعر:
“يا جاني الأزهار/ من بستان (بودلير)/ احذر/ الأزهار وهم متيم/ كم غرت الدفلى/ مفاتن زهرها/ وجذورها شربت مرارة العلقم”.
وفي قصيدة (رحلة الروح) نجد الشاعر يتطرق إلى قصة سيدنا آدم عليه السلام، ورد التهمة الأزلية عن حواء في سبب خروجهما من الجنة فيقول:
“ووجدنا نحن معاً في الفردوس الأعلى/ من قبضة طين ونفخة روح/ نرتاد سماء وسماء/ كنا نلهو كالأطفال وكنا نخصف من ورق الأفياء/ نتبوأ نرتع فيها حيث نشاء/لست أنا من أغرى أو أنت/من قال بأنك أنت العلة في الوزر/ نحن الاثنان أكلنا/ من تفاحة فاتنة الإغراء.
ميادة سلمان