الديموقراطية حق.. والانتخاب واجب
بسام هاشم
في تلك المساحة الضيّقة من الاتهامات والطعون والتعبير، أحياناً، عن الاستياء، ومن ثم القبول بقواعد لعبة الفوز والخسارة، وإعلان نتائج الانتخابات، تولد إرهاصات المجتمع السياسي السوري لما بعد الحرب.. لقد تحدّث كثيرون عن المال الانتخابي وعن القوائم المرتبة مسبقاً، واستنكف آخرون عن المشاركة لأنهم “اقتقدوا بين المرشحين من يحظى بقناعاتهم ومن يعبّر عن تطلعاتهم”، ولكن الانتخابات جرت وفق الجدول الزمني المحدّد لها، في النهاية، وبنسبة مشاركة لا يستهان بها رغم أنها تقلّ عمّا هو معتاد ومنشود وطنياً في مثل هذا الاستحقاق.
لقد تركت جائحة كورونا تأثيرها على حجم المشاركة بالتأكيد، كما ولّد الانطباع العام بأن أداء المؤسستين التشريعية والتنفيذية كان دون المستوى المطلوب في معالجة مشكلة ارتفاع الأسعار ومواجهة تحديات العقوبات الأمريكية، على امتداد الفترة الماضية، نوعاً من الرغبة في إنزال العقاب وجدت ترجمتها في امتناع البعض عن التوجّه إلى صناديق الاقتراع، وهو امتناع وقع فيه بعض البعثيين دون أن تترتب عليهم أية مساءلة.. كل ذلك صحيح، ولكن ما هو مفعم بالدلالة أن انتخابات مجلس الشعب خيضت في الصناديق، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الأحاديث اليومية للمواطنين السوريين، طوال أسابيع، وبكثافة، ولكنها خيضت بكل زخمها وثقلها النوعي في المناطق التي تئن تحت سطوة الإرهاب، حين قطع الآلاف من أبناء الحسكة مسافات طويلة للوصول إلى مراكز الاقتراع، وحين بقيت هذه المراكز مفتوحة على ضوء الشموع في ريف الرقة المحرر لاستقبال الناخبين خلال ساعات التمديد، وحين أصر أهلنا في ديرالزور وإدلب وبعض مناطق درعا النائية على ممارسة “واجبهم” تجاه الوطن رغم رصاص وعبوات المجموعات الإرهابية.
والحقيقة، فإن مجرد إجراء الانتخابات – أي انتخابات! – في بلد يخوض الحرب على أربع جبهات مأثرة وإنجاز، فكيف إذا أضيف إلى ذلك أنها سجّلت شفافية لا نظير لها من حيث مطابقة الأرقام للواقع، خاصة فيما يتعلّق بأعداد الناخبين ونسبة الانتخاب، وهو ما أجمع المراقبون عليه دون استثناء. صحيح أن هناك من خرج ممتعضاً ومتأففاً، ولكن الامتعاض والتأفف شيء والتشكيك شيء مختلف تماماً، وهو القطوع الذي تجاوزته انتخابات الأحد الماضي بجدارة كاملة.. لقد تعلّم السوريون الكثير خلال السنوات الماضية، ولربما كان الدرس الأهم هو أن زمن الارتماء في أحضان “دولة الرعاية” السياسية قد ولّى إلى غير رجعة، وأن سورية القوية هي سورية القوية بمجتمعها ووعي “مواطنيها” لحقوقهم وواجباتهم الدستورية أولاً، فالمؤسسات لا تستطيع خوض الحرب ضد الفساد – مثلاً – نيابة عن المجتمع، وليس عليها أن تقوم بذلك أصلاً لكي لا ينتهي الأمر إلى مصادرة الأدوار والآراء. ولن نتجاوز الحدود إن قلنا: إن الفصل بين السلطات وإفساح المجال للمجتمع لكي يؤدي دوره كاملاً كان دائماً محور المشروع الإصلاحي الذي طرحه السيد الرئيس بشار الأسد منذ تسلّمه مهام الرئاسة.
إن استنهاض القدرات والإمكانيات المجتمعية، وإدراك المجتمع السوري لذاته كقوى ومجموعات مصالح متنافسة، وليس متقاتلة تتبادل الإلغاء، هو وحده الذي يوفّر الدينامية الضرورية لضمان التجديد المجتمعي والحفاظ على البقاء وسط استشراس وتكالب المشاريع الوهابية والعثمانية الجديدة والتقسيمية التي باتت تحدق بسورية من كل اتجاه.
حان الوقت لكي يعي المواطن السوري أهمية دوره الذاتي في إحداث التغيير المطلوب، والأهم أن يدرك أن ممارسة هذا الدور لن تكون إلا على قاعدة أن السياسة لعبة فرص – وجولات – ينبغي عدم تفويتها تحت أية مسميات كانت، فمن يفشل اليوم يفوز غداً، ومن ينجح في هذا الدور التشريعي يتعيّن عليه أن يبقى تحت اختبار الجدارة إلى أن يحين السباق الجديد إلى الانتخابات.. أما من استكان إلى السلبية وعدم ممارسة واجبه الانتخابي فقد كان أول من خان حقه ودعاواه في نشدان التغيير والانتقال إلى الأفضل الذي يراه ويطالب به، فهذا الحق يرتب عليه القيام بواجبه لأن الممارسة الديموقراطية حق شخصي بينما الإقبال على الانتخاب واجب وطني.
ولعل الدلالة الأبرز في هذا المجال أن النواب البعثيين المنتخبين هم من يجب أن يخضع لشروط هذا الامتحان، قبل غيرهم!!