أردوغان يدمّر “حسن كيف” التاريخية
ترجمة وإعداد: هناء شروف:
تعرّضت بلدة “حسن كيف” التاريخية، الواقعة في جنوبي شرقي تركيا على ضفاف نهر دجلة، لتدمير كامل إثر تشييد سد جديد، حيث ستختفي البلدة خلال الأشهر المقبلة تحت مياه بحيرة اصطناعية بسبب بناء سد “اليسو” لتوليد الكهرباء، هذه البلدة ستغمرها المياه، وسيطمر تاريخها بفعل ما يسميه رئيس النظام التركي أردوغان “التقدم”.
هناك شيء استثنائي في “حسن كيف” يجعل الزوار يقعون في حبها من النظرة الأولى، إنها “تمتلئ بالمساجد والأضرحة، وتقع تحت منحدرات صخرية رملية كبيرة على ضفاف نهر دجلة، تمتلئ حدائقها بالتين والرمان، وتتعلق المقاهي المغطاة بالكروم فوق الماء، يعود تاريخ هذه البقعة الأثرية إلى العصر الحجري، كانت في السابق منطقة حصينة على حافة الامبراطورية الرومانية، وكانت المدينة مركزاً تجارياً ثرياً على طريق الحرير.
ولكن للأسف، كل ذلك ضاع إلى الأبد، وغرقت البلدة تحت الماء، بما في ذلك الوادي المذهل، حيث اختفى الوادي على مدى عدة أشهر، ونزح سكانه الذين يفوق عددهم 70.000 نسمة، وتم ابتلاع الثروات الأثرية غير المستكشفة مع المزارع والمنازل، لقد جعلت المياه من “حسن كيف” بقايا لا رجعة فيها للحضارات القديمة التي تتشابه مع جمال الوادي الذي نحته على مدى آلاف السنين أحد أعظم أنهار الشرق الأوسط.
عندما شغّل أردوغان التوربين الأول من السد الكهرومائي في أيار الماضي احتفالاً بإنجاز المشروع، قال: “رياح السلام والأخوة والازدهار التي ستهب من سد اليسو سنشعر بها في هذه الأراضي لقرون”، لقد تناسى رئيس النظام التركي الكثيرين ممن فقدوا منازلهم وسبل عيشهم، وتجرعوا المرارة والصدمة والألم، حتى إن علماء البيئة والآثار، في تركيا والخارج، غاضبون ومحبطون من اندثار الوادي وكنوزه بعد أن انهارت جهودهم لإنقاذ “حسن كيف” في مواجهة استبداد أردوغان المتزايد، ويقولون: إن القانون الدولي الذي يتخلّف عن المواقف المتغيرة بشأن تغير المناخ وحماية البيئة، غير ملائم لحماية التراث الثقافي.
عندما أعلن أردوغان لأول مرة عزمه على بناء السد، دافع عنه ليس فقط من أجل الطاقة التي سيوفرها لتوسيع اقتصاد تركيا، ولكن أيضاً للتطور الذي سيجلبه إلى الجنوب الشرقي الفقير، السد جزء من خطة الري الضخمة لمشروع جنوب شرق الأناضول التي بدأت في الثمانينيات، لقد أنفقوا مبلغاً هائلاً من المال، كان بإمكانهم إصلاح جميع مشاكل الجنوب، وعندما تمّ وضع الخطة لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي، لم يكن هناك الكثير من التفكير في تأثيرها على البيئة، أو على أولئك الذين سيضطرون إلى المغادرة، عندها بدأ معارضو السد بالتنظيم، كما شاركت المنظمات الناشطة الدولية أيضاً في تحدي المستثمرين الدوليين بشأن المخاوف المتعلقة بالتأثير البيئي، وفقدان التراث الثقافي، والضرر الذي يلحق بالمجتمعات في المصب في العراق وسورية.
حققت حملات الاحتجاج نجاحاً مبكراً في عام 2009، ما دفع العديد من الشركاء الأوروبيين إلى سحب التمويل بشكل رئيسي، لأن تركيا لم تستوف متطلبات تقييم الأثر الاجتماعي، لكن أردوغان لم يتراجع، وأمر البنوك التركية بالتدخل وتمويل المشروع بدلاً من ذلك.
لم تكن هناك تظاهرات ضخمة، فمنذ الانقلاب الفاشل عام 2016 حظرت تركيا جميع الاحتجاجات، لذلك تراجعت حملة إنقاذ “حسن كيف” منذ فترة طويلة، حتى إن الناشطين كانوا حذرين بشأن ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي.