أدلة جديدة تثبت تورط “النهضة” في اغتيال البراهمي
وجّهت هيئة الدفاع عن السياسيين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أمس الخميس، اتهاماً رسمياً لحركة النهضة باغتيال المعارضين التونسيين عبر تنظيمها السري، وأعلنت، خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة تونس، عن معطيات جديدة عن الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد، مشيرة إلى أن التحقيقات أثبتت وقوف حركة النهضة الإخوانية خلف مقتل الأمين العام للجبهة الشعبية والنائب السابق محمد البراهمي الذي اغتيل في 25 تموز 2013.
وقالت إيمان قزارة، عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي التي تضم أكثر من 100 محام، إن “التحقيقات أثبتت وقوف حركة النهضة وراء عملية اغتيال القيادي البراهمي، وكشفت وجود علاقة بين القيادات الإخوانية مصطفى خذر وعامر البلعزي ومحمد العكاري والجهاز السري لحركة النهضة”، وأوضحت أن “وزير الداخلية الأسبق علي العريض (نائب الغنوشي) ضالع في إخفاء الأدلة التي تثبت تورط حركة النهضة في الاغتيال، وهناك جزء من القضاء يريد إغلاق الملف بشكل سريع”، وبينت أن “دم البراهمي سيلاحق حركة النهضة، خاصة وأن التحقيقات القضائية وجّهت رسمياً يوم 20 أيار الماضي اتهامات لمصطفى خذر”.
يذكر أن البراهمي اغتيل بالرصاص في 25 تموز 2013 أمام منزله بالعاصمة تونس، تماماً مثل شكري بلعيد الذي اغتيل في 6 شباط من نفس العام.
وكان القياديان اليساريان من أشد المعارضين للإخوان في تونس، حيث كانا في مقدمة الناشطين الذين حذروا من مخططات النهضة للاستيلاء على الحكم في تونس. ويتداول التونسيون إلى اليوم الحقائق الخطيرة لتحركات الإسلامويين، وخاصة حركة النهضة، التي كشفها شكري بلعيد خلال مقابلات صحفية ينتقد فيها موالاة الإخوان لتنظيمهم الدولي على حساب بلدانهم بهدف الوصول إلى السلطة.
وعقد المؤتمر الصحفي بمناسبة الذكرى السابعة لاغتيال البراهمي تحت عنوان “دور الجهاز السري لحركة النهضة في جريمة اغتيال الشهيد محمد البراهمي”.
وقالت هيئة الدفاع عن البراهمي وبلعيد: إن “التحقيقات كشفت الأدوار المتقاطعة لقيادات النهضة في جريمة الاغتيال”، موضحة أنها “استطاعت الوصول إلى 21 ملف تثبت علاقة “أبو بكر الحكيم” (منفذ عملية الاغتيال) بقيادات حركة النهضة”.
ويعتبر أبو بكر الحكيم من قيادات التنظيم الإرهابي “أنصار الشريعة”، الذي يقف وراء عمليات إرهابية تمّ تنفيذها في تونس في العشر سنوات الأخيرة.
وأكدت إيمان قزارة أن “كشف تورط الاخوان جاء على إثر التثبت في مكالمات هاتفية بين الجناة المباشرين، وحركة النهضة التي كانت ترأس الحكومة التونسية لحظة الاغتيال”، وأضافت: إن “شخصية مصطفى خذر هو جزء من حلقة التنظيم السري للنهضة، وأثبتت التحقيقات أن رقم هاتف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة مسجّل لديه، وأنه على اتصال دائم وتنسيقي به”، وأوضحت أنه “تمت إحالة مصطفى حذر إلى المحكمة الجنائية للمحاكمة في ملف البراهمي، وبذلك يصبح الجهاز السري لحركة النهضة جزء من منظومة الاتهام، بما هو معطى قضائي جديد، وليس معطى هيئة الدفاع”، وأشارت إلى أنه بناء على طلب من الهيئة تمّ سحب هذا الملف من المحكمة الابتدائية بتونس وإحالتها الى محكمة أريانة، مؤكدة أن دائرة الاتهام عطّلت قرار توجيه الاتهام ومررت الملفات إلى النيابة العمومية نظراً لوجود اخلالات إجرائية، وأوضحت أن دائرة الاتهام طالبت قاضي التحقيق بمكاتبة السفارة الأميركية التي تعهّدت بتقديم معلومات في حال طلب السلط التونسية ذلك، لكن لا يوجد إلى حد الآن أي معلومات مقدمة في ملف الاغتيال.
واتهمت قزارة الغنوشي بـ”الإشراف على التنظيم السري”، مبينة أن “هناك 11 اتصالاً بين الغنوشي وخذر ليلة اغتيال محمد البراهمي، وأن عناصر من القضاء تريد التستر على رئيس الحركة الإخوانية”، داعية الهياكل القضائية المستقلة إلى “التحرّك والدفع نحو فتح أكثر للملفات”.
وقالت الهيئة: إن “النهضة استغلت بعض السلطات القضائية لإخفاء القضية”، موضحة أن “وكيل الجمهورية السابق (وكيل النيابة) الذي نظر في اغتيال بلعيد وبراهمي مارس التستر على الجهاز السري التابع لحركة النهضة، حتى يفلتوا من الإدانة والعقاب”، وتابعت: إنها عانت في وقت سابق من سرقة الوثائق التي تدين النهضة وجهازها السري.
وكشف المحامي رضا الرداوي، عضو الهيئة، أن أحد المتهمين المباشرين في قتل شكري بلعيد كان يعمل لدى راشد الغنوشي في منزله، وتمّ العثور لديه على سترة واقية للرصاص وغاز مشل للحركة، وغيرها من المعدات.
ومنذ 2018 كشفت الهيئة عن وثائق قضائية تتعلق بملف قضية الاغتيالات التي شهدتها تونس في السنوات العشر الماضية، مؤكدة تورط “غرفة سوداء” بوزارة الداخلية في مقتل البراهمي وبلعيد، حيث تمّ العثور على مكتب مغلق يحتوي على أكياس من الوثائق القضائية المسروقة، والتي عثر عليها بمنزل مصطفى خذر.
وقالت مباركة البراهمي، أرملة محمد البراهمي خلال المؤتمر الصحفي، إن القضية في طريقها إلى الحقيقة، وأن “الملف تمّ التلاعب به وسرقة الوثائق من طرف حركة النهضة التي تحاول قياداتها ممارسة ضغوطات مستميتة إلى درجة هستيرية حتى لا يتم اقتيادها إلى القضاء”.
وأضافت مباركة البراهمي، التي تعرضت بدورها لمحاولة اغتيال فاشلة في أيار الماضي، إن “تونس لا تزال مهددة بالإرهاب طالما لم يتم وضع النقاط على الحروف ومحاسبة المجرمين”.
وشهدت تونس موجة من الاغتيالات السياسية خلال حكم الترويكا، الذي تحالف خلاله الإخوان مع الرئيس الأسبق منصف المرزوقي (2011-2014).
وقالت لجنة الدفاع عن البراهمي وبلعيد: إن “النهضة تمكّنت إثر فوزها في انتخابات 2011 من تعيين مقرّبين منها في أجهزة الدولة، بخاصّة في الجهاز الأمني ووزارة العدل أيضاً، وهو ما مكّنها من التدخّل في عديد الملفات الحسّاسة من بينها الاغتيالات”.
ويشن نشطاء وحقوقيون وسياسيون تونسيون من وقت لآخر حملات ضد النهضة، وخاصة القيادي فيها والنائب الحالي في البرلمان نورالدين البحيري، الذي كان على رأس وزارة العدل خلال حكم الترويكا (2013-2014).
وتتهم النهضة بالتلاعب بالترقيات والمناصب والانتدابات داخل إدارات وزارة العدل تحت قيادة البحيري، الذي يرأس الآن كتلة حركة النهضة في البرلمان، ما أتاح لها السيطرة عليها، وهي الوزارة التي يريدها التونسيون أن تكون بمنأى عن التجاذبات السياسية.
واتسمت المرحلة التي تولى فيها البحيري وزارة العدل بأزمات متعددة وعاصفة هزت الوزارة، بعد إقالات وعزل لقضاة وغيرهم من كفاءاتها، خاصة الذين يديرون مصالح السجون.
وكانت زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قد فتحت مؤخراً ملف هيمنة النهضة على وزارة العدل، بعد أن رصدت وجود اتصالات بين نواب عن الحركة وإرهابيين في السجون، في وقت عاد فيه شبح الاغتيالات يخيم على الأجواء في تونس بعد تلقي موسي تهديدات جدية بالتصفية الجسدية.
وفي تموز الماضي، اتهمت موسي، التي تطالب كتلتها وكتل أخرى بالبرلمان بسحب الثقة من راشد الغنوشي والإطاحة به من رئاسة البرلمان، قيادات من النهضة باختراق مصلحة السجون التابعة لوزارة العدل من خلال تنظيم لقاءات مع إرهابيين قادمين من ليبيا.