“كمين”.. الرواية التي أرّخت لانتصار المقاومة في تموز
في الثاني عشر من تموز 2006 شنّت قوات الاحتلال الصهيوني عدواناً شاملاً انطلاقاً من الجنوب اللبناني في حرب استمرت نحو 33 يوماً انتهت بانتصار ساحق للمقاومة التي ألحقت هزيمة مجلجلة بـ”إسرائيل” وأذلّت جيشها المزعوم، تلك الحرب على عظمة إنجازها ما زال حضورها خجولاً في الأدب عامة والرواية خاصة، رغم البطولات التي سطّرها رجال المقاومة في صبرهم وصمودهم وشجاعتهم، ومن الروايات القليلة التي عرضت وأرّخت لهذه الحرب رواية “كمين” للكاتب السوري طلال مرتضى.
تقوم الرواية على محورين رئيسيين، الأول العملية البطولية التي نفّذها مقاتلو المقاومة عام 2006 في الجنوب بمنطقة خلة وردة، إذ سنتعرف على بعض شخصياتها ومنهم الحاج وعباس وسجّاد.. وسواهم. وسنكون مع الخبر أو القنبلة من العيار الثقيل، التي فجّرها الأستاذ فارس في “قصر الأونيسكو”، ووصلته برسالة عبر هاتفه بأن أفواج المقاومة “رجال الله”، تزفّ إليكم البيان التالي: “قامت مجموعة من كوادرها الأبطال بنصب كمين محكم على أرض الجنوب الغالي، وبعون الله تعالى استطاعت المجموعة التعامل مع قوة صهيونية مؤلّلة، حيث تمكّنت من القضاء على عناصر القوة المعادية وإيقاعها بين قتيل وأسير”. أما الثاني فهو حكاية الشاب اللبناني ربيع الذي كان يدرسُ في روسيا وقصة عشقه للشابة صوفي التي ستختار ألا تتزوجه قبل أن نعرف أنها يهودية تحلم بالانضمام إلى عائلتها في الكيان الصهيوني، وفيها يعود مرتضى بالزمن إلى أكثر من عشرين عاماً. هاتان الحكايتان ستتقاطعان في بعض أحداثهما لنكتشف مفاجأة جرّنا إليها مرتضى قسراً، ومن باب الخروج الآمن من مأزق الحكاية، أن أبو سجاد هو نفسه ربيع الذي كان والداً لسجاد من الأم الشهيدة خديجة، وأباً عابراً للأسير الصهيوني (إيغال) من عشيقته الروسية (المتأسرلة) صوفي!!.
في جانب آخر، يرصدُ طلال مرتضى في “كمين” الحال والأجواء المشحونة التي كانت سائدة في المنطقة قبيل قيام مقاتلي حزب الله بعملية خلة وردة، حيث حالة رعب وترقب للآتي في شمال فلسطين المحتلة دالاً على ذلك بالقول ص9: “تصوّر لو أن أحداً سرّب هذه الإشاعة إلى المستوطنين هنا، أتعلم ماذا سيحدث حينها يا عوفر، كارثة حبيبي، أقول لك كارثة مؤكدة يا عوفر، ستجد شمال “إسرائيل” خالياً من السكان خلال نصف ساعة”. فيما ستبدو بيروت واحةً آمنةً تعجّ بالمتناقضات والانقسامات بين الإخوة في معاركهم التي تنحسر حين يتوحدون ويصبحون جسداً واحداً في مواجهة العدوان، يقول ص19: “في بيروت تلتقط آذانك لغات الأرض كلّها عن غير قصد.. في بيروت وحدها ينام الكثيرون من أعدائها آمنين.. في بيروت لا يغرنك إن وجدت أخوين من أم وأب يلعبان الشطرنج، هما يتباريان لأجل المتعة، أبداً.. هما يتقاتلان، أليست لعبة الشطرنج لعبة حرب؟!”.
على أن الملمح الأبرز في الرواية، حتى لو واشجَ الكاتب فيها بين ما هو واقعي وما هو متخيّل، هو ذهابه لالتقاط الأحداث بغية توثيقها، مثل تعرّض مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق لقصف عنيف بالطيران ما أدى إلى سقوط أكثر من 55 شهيداً، بينهم عدد كبير من الأطفال، حيث انتشلت 27 جثة طفل من بين الضحايا، أو غرق البارجة الحربية الصهيونية “ساعر” وقوله ص104: “ساعر مين يا أبو سجاد.. أخبارك قديمة يا صديقي.. ساعر منذ الأمس صارت غذاء للسمك”. وفي ص90 يستعيد مرتضى ملحمة وادي الحجير الذي غدا مقبرة للدبابات الصهيونية حيث يقول: “وفي المقلب الآخر من الحكاية المصوّرة، نجد أن المقاومة قد قامت بعملية نوعية وكبيرة، حيث تمّ خلالها إبادة عدد من دبابات الميركافا الصهيونية المتطورة، والتي وقعت في كمين محكم في وادي الحجير في القطاع الأوسط للجنوب اللبناني، وكان قد تمّ إنزال الدبابات لتغيير معادلة الحرب على الأرض، ولكن العملية أسفرت عن تدمير أكثر من 35 دبابة صهيونية تدميراً شبه كامل ومقتل ما يقارب 20 جندياً صهيونياً”.
كما ينتقل الكاتبُ إلى الضفة الأخرى من الجبهة المشتعلة، حيث كانت وسائل الإعلام تسجّل أول ردة فعل صهيونية، والتي تجلّت بنزوح آلاف المستوطنين، وإخلاء المنطقة من سكانها نحو الداخل، ولاسيما بعد أن أيقنوا أن مقاتلي المقاومة عبروا الشريط الحدودي وناموا ليلتين خلفه، وعادوا آمنين من حيث أتوا، ومعهم جنود النخبة مكبلين بالأغلال، يقول ص49: “جملة واحدة.. دون سواها يردّدها سكان المستوطنات الصهيونية المحاذية للشريط الحدودي.. إنها النهاية!!”.
ختاماً.. يمكن القول إنه ليس من وظيفة الرواية أو أي فنّ أدبي آخر التأريخ للأحداث والوقائع بحذافيرها وتفصيلاتها الدقيقة، كما ترى بعض الاتجاهات النقدية، بل ينبغي لها أن تعيد قراءة الأحداث الكبرى والوقوف عندها وكتابتها بما يليق بها، بهدف تشكيل ذاكرة حيّة للأجيال القادمة، وهو ما فعله الكاتب طلال مرتضى في روايته “كمين” التي تعدّ شهادة على ما أنجزته المقاومة الباسلة ودورها في تحقيق انتصار تموز عام 2006.
عمر محمد جمعة