الصناعة المحلية.. بين سندان تكثيف الخطط الورقية ومطرقة التنفيذ المؤجل!!
مع التحديات والأخطار الكارثية الجديدة، تثور التساؤلات مجدداً: هل سنعتمد على صناعتنا المحلية بشكل ضخم؟ ولماذا تكثر الصناعات الشمولية التي تعتمد التجميع حتى على صعيد أبسط الإكسسوارات البلاستيكية أو المعدنية للمواد الكهربائية أو المنزلية، أو حتى السيارات؟ وهل هناك من إجراءات جديدة لتوجيه الصناعيين نحو صناعات القطع والصناعات العنقودية ولو لجزء من مكونات ما يتم تجميعه محلياً أسوة بكافة البلدان التي بدأت من الورشات والأقبية، وتحولت لدول صناعية كبرى عبر تلك الصناعات؟ وهل نحن بصدد اتخاذ إجراءات جديدة لزيادة الإنتاجية، وتخفيض التكاليف لخلق المنافسة محلياً، وفي دول الجوار؟ وماذا حل بخطط إنعاش معامل القطاع العام التي كانت الداعم الأساسي للمواطن في أزماتنا السابقة، وخاصة بعد تراخي عدد من الصناعيين بموضوع الجودة، وقيامهم بالبيع بأسعار مرتفعة؟ وفي خضم جائحة كورونا تحديداً، هل من خطط لتكثيف الصناعات الطبية، وغيرها من الكمامات، والمعقمات، والوصول لدرجة الاكتفاء الذاتي، ومن ثم التصدير؟ وفي الوضع الراهن، ماهي الخطط لإدخال وتنمية صناعات أساسية لمواجهة قانون قيصر؟ وماذا حل بموضوع صناعة السيارات بعد اقتراب مهلة إغلاق مصانع التجميع ذات الصالة الواحدة (تجميع الأجزاء دون لحام أو طلاء)؟ وهل حقاً سيتم ترخيص مصنع تاسع للسيارات رغم ذلك؟.
شرط القيمة المضافة
مدير صناعة ريف دمشق محمد فياض نفى اكتفاء الصناعة السورية بالتجميع والتركيب، أو قلة جودة تلك المنتجات، أو مخالفتها للمواصفات المطلوبة كما يشاع، وأوضح أن باب الشكوى مفتوح أمام أي مواطن في حال شرائه لمنتج صناعي وطني مخالف للمواصفات القياسية السورية، وأكد أنه لا يتم منح أي صناعي ترخيصاً دون تحقيق قيمة مضافة لما يقوم بتصنيعه لا تقل عن 40%، وأن عملية التجميع تمثّل حوالي15% من أغلب الصناعات، وبالتالي وجود أي معمل يعتمد التجميع فقط هو مخالف، وغير ممكن، باستثناء مصانع السيارات التي سمح لها مرحلياً بالاعتماد على صالة واحدة لتجميع أجزاء السيارات كونها صناعة ضخمة، وتحتاج لأدوات، وخطوط إنتاج، وصالات مكلفة جداً، كما تحتاج إلى تراكم خبرات فنية لدى العاملين فيها، وسوق داخلي، أو خارجي لتصريف منتجات هذه المعامل، إضافة للظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها هذه الصناعة جراء قانون قيصر، ومع ذلك فإن المعامل مطالبة بفتح ثلاث صالات في غضون سنتين تحت طائلة إغلاقها، ولا نية للوزارة لتمديد هذه المهلة في الوقت الحالي، رغم أن هذه المعامل تؤمن فرص عمل لنحو 1600 عامل، عدا عن عمال البيع والمعارض الذين اكتسبوا جميعهم خبرات فنية ممتازة للعمل في هذا المجال، أو حتى العمل ضمن ورشات الصيانة بأجور عالية.
كما أكد فياض أنه مع تعافي القطاع الصناعي يتم التوجه نحو صناعة كافة الاكسسوارات، والقطع التي يمكن صناعتها محلياً، وتوفير القطع الأجنبي الذي كان يهدر على استيرادها من خلال إيجاد قطع مصنوعة من مواد محلية، وبتكلفة لا تتجاوز ثلث تكلفتها في دول الجوار، فعلى سبيل المثال كنا نستورد زجاج الأفران، والشبكات المعدنية، ورؤوس الغاز، أما حالياً فأصبح يتم إنتاج الزجاج، وتقسيته، والرسم عليه، وإنتاج معظم اكسسوارات فرن الغاز محلياً، وبتكلفة قليلة جداً، ودون الحاجة للاستيراد.
بين الإجراءات والصعوبات
ولدى حديث فياض عن إجراءات دعم الصناعة المحلية، وتمكينها من المنافسة، والتصدير، أشار إلى صدور المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 2020 القاضي بإعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية النافذ الصادر بالمرسوم رقم 377 لعام 2014 وكافة الضرائب، والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد، إضافة إلى صدور المرسوم التشريعي رقم 10 لعام 2020 القاضي بإعفاء المواد الأولية المستوردة كمدخلات للصناعة المحلية، والخاضعة لرسم جمركي 1%، من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية النافذ الصادر بالمرسوم رقم 377 لعام 2014، وكافة الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد لمدة عام واحد اعتباراً من بداية حزيران القادم، لافتاً إلى انعكاس هذه الإعفاءات على زيادة أرباح التاجر، ما يؤدي لتخفيض التكلفة والسعر، وزيادة المنافسة في الأسواق الخارجية كون منتجاتنا فقدت أسواقها الخارجية في دول الجوار خلال عشر سنوات من الأزمة، وحلت مكانها منتجات أخرى كالمنتجات التركية، والإيرانية، وهذا يتطلب تعاوناً كبيراً مع الصناعيين ولو مرحلياً لتمكينهم من استعادة السوق في دول الجوار.
أما بالنسبة للصناعات العنقودية، والقطع الأساسية، بما فيها قطع غيار السيارات، أكد فياض أننا نصنع ما يمكن صناعته، ويحقق الجدوى الاقتصادية، فيمكننا على سبيل المثال صناعة مبرد السيارة، إلا أنه مثلاً لا يمكننا صناعة “الأضوية”، أو قطع الغيار الدقيقة كونها تحتاج قوالب مرتفعة الثمن، وخبرات هندسية تراكمية قد لا تتوفر لدينا في هذا المجال، كما أن مثل هذه الصناعات تحتاج أسواقاً أكبر من سوقنا الصغيرة لتصريفها، فلا يمكننا افتتاح معمل، أو خط إنتاج لصناعة 700 ضوء فقط لسيارة من نوع معين.
وخلال اللقاء عرض علينا المهندس فياض حالة عملية لمالك محل ساعات أراد أن يفتتح معمل لصناعة الساعات في سورية كون عمله توقف بسبب منع استيراد الساعات، والعقوبات، وارتفاع أسعار الساعات، حيث تركزت النقاشات مع هذا الشخص على القطع المراد تصنيعها، وهي الظرف الخارجي، والحزام (الكستك)، وميناء الساعة، في حين أن محرك الساعة، والجوانات المطاطية لمقاومة المياه، وزجاج الساعة، والبطارية، من الأمور المستحيلة في الصناعة محلياً، وهذه المشكلة موجودة في عديد من البلدان حتى الصناعية منها التي تضطر لاستيراد الكثير من القطع الأساسية بسبب العجز عن تصنيعها، ورغم ذلك يتم السير مستقبلاً نحو تكثيف صناعة معظم القطع الممكن صناعتها، بما فيها صب هيكل السيارات المعدني، وبما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية.
المعقمات والأساسيات
وتطرق فياض إلى صناعة الأسرة الطبية مبيناً وجود منشأة واحدة في ريف دمشق، وهي قيد التأهيل حالياً، ونفى وجود معلومات لديه حول ورش ومصانع هذه المعدات في المحافظات الأخرى، أما بالنسبة للمنظفات، والمعقمات، والكمامات فهي في وضع ممتاز، حيث إننا وصلنا لمرحلة الاكتفاء الذاتي، وبجودة عالية، وبتكلفة قليلة، وتم فتح التصدير لهذه المواد لمدة شهر، على أن يتم النظر بالفائض في حال تحققه مجدداً، كما أن توفر الكحول من معمل سكر حمص ساهم بكسر سعر الكحول المستورد، ورفد صناعة التطش، والمعقمات، وانخفاض سعرها بعد توفرها الكبير في الأسواق، وبأشكال متعددة ومبتكرة كإنتاج كحول طبي بعطر الليمون الطبيعي بعد انتشار حالات حساسية تنفسية جراء استخدام هذه المعقمات، وأكد فياض عزم الوزارة على تكثيف الصناعات الأساسية لمواجهة عقوبات قيصر، وإعادة إنعاش وبناء مؤسسات القطاع العام رغم الدمار الهائل الذي حل بها خلال الأزمة بحسب الأوليات، وبشكل تدريجي، حيث تم تشغيل عدد من خطوط معمل تاميكو للأدوية، وسيتم بناء وإعادة تشغيل بقية الخطوط في وقت قريب كونه تم إيلاء قطاع صناعة الأدوية الأهمية الكبرى، كما يتم تكثيف الصناعات الغذائية كونها تعتمد مواد أولية محلية كصناعة المعكرونة، والمعلبات، والتعبئة الغذائية، وزيادتها بشكل يقلل السعر ويساعد على التصدير.
مبادرات صناعية
الصناعي محمد السعيد أكد أنه مستأجر لورشة خراطة في منطقة العرقوب في حلب مع شريك له، ومنذ بداية جائحة كورونا بدأ يعمل بتصنيع آلات للصناعيين لتصنيع الكمامات، ولديه الإمكانية لصناعة آية آلة صناعة يطلبها منه التجار أو الصناعيون شريطة وجود مخطط واضح لها، ويعتمد على خبرته الكبيرة في هذا المجال، إلا أنه يعاني من صعوبات كبيرة تواجه عمله، فأحياناً تتوفر لديه أفكار صناعية مميزة، إلا أن قلة الإمكانات المادية تجهض تلك الأفكار، وبإمكانه صنع محركات متعددة وذات جودة عالية، لكنها غير قادرة على منافسة القطع الصينية التجارية ذات السعر الرخيص، والجودة المتدنية، وذلك يحتاج إمكانيات، وورشات متخصصة، في حين أن ورشته عامة وتعتمد على صيانة المنشآت الصناعية أكثر من البيع.
المواد الأولية
السيدة فاطمة الزهراء أكدت لنا أنها تمتلك ورشة في منطقة هلك الصناعية بحلب لصناعة طاولات طبية للمعاينة، وأسرة طبية ذات حركتين- ثلاث حركات، وكراسي مشفى حسب الموديل والمواصفات المطلوبة، ويمكنها صناعة مئة سرير، أو مئة طاولة يومياً، وتواجهها بعض المشكلات المتعلقة بالمواد الأولية، وضعف القدرة المادية، رغم أنها سبق وأن جهزت مشافي كاملة في حلب، مبدية استعدادها للتعاون مع أية جهة لإنجاح هذه الصناعة، والنهوض بها، وخاصة في الوقت الراهن.
مهيأة أكثر
أحد العاملين في مجال الصناعات الكيميائية أكد لنا أن هذه الصناعة رغم أنها من أكبر وأوسع القطاعات الصناعية، إلا أنها لا تستخدم بشكل عادل، ومعظم القائمين عليها لا يعرفون من معناها سوى تحقيق الربح والتجارة، فنجد أن تركز الصناعات يعتمد على شركات الدهانات، ومواد التنظيف، ومواد التجميل، والقليل من المواد الدوائية، والزيوت المعدنية، ويجب أن تكون مهيأة أكثر من ذلك، خاصة بعد الجائحة للتصدي لكافة الأخطار في المستقبل، ويجب توجيه الصناعيين، وتوعيتهم لجهة عدم جعل أهدافهم محصورة بالربح السريع فقط، وشاهدنا خلال جائحة كورونا مظاهر مستفزة للمواطن مثل احتكار المعقمات والمنظفات، وزيادة سعرها، بل فوجئنا أنها كانت تصدر، وبعد ذلك تم إلغاء تصديرها!.
بشار محي الدين المحمد