الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في المؤامرة

عبد الكريم النّاعم

– لِنقلْ بداية إنّ المقصود بـ “المؤامرة” هو كلّ أمر نتيجته شرٌّ ما، يتّفق عليه اثنان فأكثر.

– فيما نقرأ، وفيما يُردّ على بعض المسائل المتعدّدة المطروحة، كثيرا ما نسمع، على سبيل التّسفيه، “هذا أَخْذ بنظريّة المؤامرة”، حتى ليكاد يُفهم أنْ ليس ثمّة مؤامرة، بينما هي مؤامرات، منذ أن وعينا على الدنيا، قرأنا عن بعضها، وعايشنا بعضها الآخر، وإذا كان البعض يقولها على سبيل التكرار غير المُفكَّر فيه، فإنّ ثمّة مَن يريد أن يرسي هذه الدعائم لتُصبح بمقام البدهيّة، وهو توجّه، في رأيي، غير نظيف، لأنّ مَن يريد شطب مقولة المؤامرة يعني نفيَها، ويفيد أنّ ماجرى، رغم تأكّده، ليس مؤامرة، بل هو يحيل على شيء آخر، وآسف أن يكون بين هؤلاء مَن لا أشكّ في  وطنيّتهم، وفي إخلاصهم لبلدهم، ويردّدون ذلك ببراءة تبلغ حدّ السّذاجة.

الكلام السابق لا يعني بحال من الأحوال أيّ تسويغ، أو تبرير لأيّ تقصير، من أيّة جهة، وإدراجه تحت بند مؤامرة، فالأمور ليست على تلك الدرجة من المُبهَمات.

هنا لابدّ من التفريق بين مَن يخطئ وهو يعمل، وأخطاؤه ليست مقصودة بل هي نتاج إفرازات عديدة، وبين مَن يرتكب الخطأ لأغراض شخصيّة، أو فئويّة، مدرِكاً أنّه يُنفّذ ما يُطلب منه، أو يُملى عليه.

– إنّ الذين ينفون وجود مؤامرة يُريدون القول أن السلطات التي يعارضونها هي المسؤول الوحيد، وأنّ أعداء الداخل والخارج المرتبطين براء من ذلك، وفي هذا من الحيف ما فيه.

– أولمْ تتكشّف الأمور عن أنّ المذهب الوهّابيّ كان بمؤامرة من المخابرات البريطانيّة، بدأت مع أوائل القرن الثامن عشر؟! وهذا باعتراف ذلك الجاسوس الذي رتّب تلك الأوراق، وليس ظنّاً ولا تخميناً؟!

– أوَلم يكن التآمر قد بدأ على الثورة العربيّة التي انطلقت من الحجاز، لتشمل أقطار الوطن في غرب آسيا، للتخلّص من الاستعمار التركي البغيض، وكان الإنكليز والفرنسيّون، وهما من أقوى الدول آنذاك، كانوا يعلنون شيئا ويُبطنون تفاصيل اتّفاقيّة سايكس بيكو؟!

– أوَلمْ تتكشّف بعض خفايا حربنا في فلسطين، عام 1948، عن أنّ قائد الجيوش العربيّة الملك عبدالله الأوّل، ملك الأردن، كان على تنسيق كامل مع القيادات الصهيونيّة الغازية؟! هذا عدا عمّن لم يُفرَج عنه من أسرار تتعلّق بموضوع الصراع العربي الفلسطيني.

– ماذا نعرف عن بعض أسرار حرب تشرين، عام 1973، التي خانها السادات، فغدر بسوريّة؟! نتساءل رغم ما قد افتُضح في هذا السياق، إذْ ثمّة ما لم يُكشف بعد، يتعلّق بشخصيّة السادات ذاته!!

– ثمّة العديد من الشّبهات عن مقتل ستالين، والذي قيل أنّ أيديَ صهيونيّة قد كانت وراء رحيله، وماذا عن موت عبد الناصر المفاجئ، والذي كثرت فيه الأقاويل؟ كما يثار مرض الرئيس الجزائري هواري بو مدين، أمّا اغتيال القذّافي فقد كان بيد المخابرات الفرنسيّة، في ليبيا، التي كان يسرح ويمرح فوق أراضيها هنري ليفي، الصهيوني المتعصّب.

– ماذا عن منظمة “الخوذ البيضاء” ومؤسّسها ضابط الاستخبارات البريطاني الذي مات في ظروف غامضة في تركيّا؟!

– ما معنى أن تكون بيوتات المال تحت إمرة رجال صهاينة، إمّا بالولادة والانتماء، وإمّا بالولاء؟! تلك البيوتات التي لم تقدّم لأيّ بلد قرضا إلاّ لتمسك برقبته من الداخل والخارج، وأصْدق مثال على ذلك صندوق النّقد الدولي!

– كيف تتخلّى دول النفط العربيّة عن أموالها، التي هي حقّ لشعبها عليها، وترسل بها راضية أو غير راضية إلى خزائن الشيطان الأكبر أمريكا، علماً لو أن بعض ذلك المال وُظِّف لصالح البلدان العربيّة لأفاد كثيراً، واستفاد أكثر، فما الذي يجعل هذه الدول تنصاع ذلك الانصياع، ليس في مجال النفط، بل في المجالات السياسيّة؟!

– أمّا مؤامرة اندلاع الخراب العربي عام 2011، فلا يماري فيها إلاّ كلّ مرتبط بها.

– الأسئلة كثيرة، وهي مُتناسلة، ومُتتابعة، ولم تتوقّف، وأكتفي بهذه الإلماعات التي ذكرتُها، لأنّها على مستوى العالم ما تكاد تتوقّف.

أيّها الذين تريدون إسكاتنا بتتْفيه فكرة المؤامرة، وتسْخيفها، لن يتوقّف الوطنيّون الصادقون عن فضح المؤامرة التي لن تتوقّف إلاّ بكسرها من خلال عمل وطني مقاوم صادق، هدفه النصر وتحقيق العدالة الاجتماعيّة.

aaalnaem@gmail.com