مثال سيئ جداً!
لم نفاجأ بموافقة اللجنة الاقتصادية على استيراد 20 مليون عبوة زيت دوار الشمس، بل كنّا سنفاجأ لو حدث العكس. ولو عدنا إلى العقود – وليس السنوات – الماضية لاكتشفنا أن اللجان الاقتصادية المتعاقبة لم تتوقف عن السماح باستيراد الزيوت النباتية.
وتوقعنا مع الموافقة على إقامة معامل لصناعة الزيوت محلياً بعد صدور قانون الاستثمار عام 1991 أن تتوقف الحكومات السابقة عن استيراد الزيوت النباتية حماية للصناعة الوطنية الجديدة، لكن لم تفعلها أية حكومة، فالمستوردون كانت كلمتهم نافذة على الدوام وأقوى بكثير من كلمة الصناعيين!
ولإرضاء أصحاب معامل الزيوت الذين استثمروا الملايين في معاملهم الجديدة، فرضت الحكومات السابقة ما يعرف بضريبة “الضميمة” على الزيوت المستوردة، وكانت ضميمة شكلية لم تحمِ الصناعة الوطنية بما فيها زيوت القطاع العام التي كانت ولا تزال تعاني من التصريف. ولم يتبدل المشهد على مدى العقود الماضية، فالمستوردون يسيطرون على سوق الزيوت النباتية تسعيراً وتسويقاً!
وتفاءلنا بقرار الحكومة إحلال بدائل المستوردات، لكنه تفاؤل شابه الحذر الشديد، فالمستوردون لن يتخلوا طوعاً عن تجارة تدرّ عليهم المليارات.
حسناً.. لنناقش المسألة من منطلق اقتصادي بحت أساسه المصلحة الوطنية.
نعرف أن الزيوت النباتية مادة أساسية لا غنى عنها لملايين الأسر السورية، ونعرف جميعاً أن المادة الأولية لتصنيع الزيوت النباتية المستوردة إما دوار الشمس أو الذرة الصفراء. وبما أن أحداً لا يجادل بأن سورية بلد زراعي وفيها مساحات مخصّصة لدوار الشمس والذرة الصفراء، فإن السؤال: لماذا لم تعلن أية حكومة أن المواد الأولية للزيوت النباتية إستراتيجية؟.
لن نصدّق أن سورية عاجزة عن إنتاج حاجتها من دوار الشمس والذرة الصفراء، أي بما يفيض عن حاجة السوريين من الزيوت النباتية!
أكثر من ذلك.. نستغرب عدم إحداث خطوط إنتاج في معامل القطاع العام لتصنيع زيوت دوار الشمس والذرة الصفراء بعبوات حديثة منافسة للمستوردة. وبما أن وزارة الزراعة تعرف تماماً أهمية دوار الشمس والذرة الصفراء كمادتين أوليتين لتصنيع الزيوت النباتية، فلماذا لا تدرجهما في خططها وتُنسّق مع وزارة الصناعة لإقامة خطوط إنتاجية في القطاعين العام والخاص تكفي حاجة السوريين مع فائض للتصدير؟
إن الإعلان عن استيراد الزيوت النباتية مع غياب أي خطط لتصنيعها محلياً هو مثال سيئ جداً جداً لترجمة سياسة تصنيع وإنتاج بدائل المستوردات. والمسألة لا تقتصر على الزيوت النباتية وإنما كل المواد الأساسية المستوردة. ولن نبالغ بالقول إن قلّة من التّجار المحتكرين أعلنوا سراً وعلانية الحرب على سياسة تصنيع بدائل المستوردات، بما فيها صناعة النسيج التي تعدّ محور وأساس الصناعة السورية.
والسؤال: هل سترضخ الحكومة لأعداء الصناعة الوطنية أم أنها ستصدر قرارات واضحة وملزمة تترجم فعلياً – لا كلامياً – استثمار إمكاناتنا الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي للسوريين من السلع الأساسية والاستغناء عن استيرادها إلى الحدود الدنيا؟
علي عبود