هل تتحول بؤر التوتر إلى مناطق حرب ساخنة؟
سمر سامي السمارة
مع استمرار مسيرة جائحة كوفيد 19 القاتلة حول العالم، فإن عدداً من الصراعات الخامدة نسبياً، بالإضافة إلى العديد من نقاط التوتر المعروفة، يمكن أن تضع العالم على حافة نزاع مسلح كبير، حيث يُظهر التاريخ أنه من خلال نوبات التوتر – الكساد الاقتصادي، والصراعا ، وغياب القيادات السياسية، وأزمات الصحة العامة كتلك التي ابتلى بها العالم الآن – تزداد فرص الحرب بشكل متسارع.
وهنا لابد لنا من الإشارة إلى بعض من أكثر نقاط التوتر العالمية، على سبيل المثال تواجه كل من الهند والصين أعنف اشتباك منذ عقود في العديد من المواقع الحدودية الرئيسية في منطقة الهميلايا، وبسبب فيروس كوفيد -19 يتفاقم التوتر من جديد بين أكبر دول العالم من حيث عدد السكان. وإلى الآن ارتفعت الوفيات والإصابات بين قوات الحدود الهندية والصينية، بسبب وقوع عراك عنيف، إلا أنه من الممكن أن ينشأ صراع أوسع وأكثر فتكاً في حال تم استخدام أسلحة كـ دبابات T-90S الهندية ومروحيات أباتشي، التي تشارك الآن في مناورات على طول الحدود.
وفي اسطنبول، وفي تناقض لسياسات كمال أتاتورك العلمانية، أمر أردوغان بتحويل متحف آيا صوفيا – الذي أصبح مسجداً أثناء الامبراطورية العثمانية، بعد أن كان كاتدرائية رئيسية للمسيحية الشرقية في ظل الامبراطورية البيزنطية – مرة أخرى إلى مسجد. في عام 1934، أصدر أتاتورك مرسوماً بتحويل آيا صوفيا إلى متحف متاح للجميع، كما دعا الخبراء المسيحيين إلى عدم استعادة البلاط البيزنطي المزخرف في المبنى، والذي تمت تغطيته في ظل الحكم العثماني. رفض أردوغان دعوات اليونان لاحترام آيا صوفيا وأيقوناتها المسيحية، ما مهد الطريق لمزيد من التدهور في العلاقات بين تركيا واليونان، بالرغم من أنهما عضوان في الناتو، كما يتوق العديد من القوميين اليونانيين إلى استعادة القسطنطينية، وآيا صوفيا تحت السيطرة اليونانية الأرثوذكسية، إلا أن أردوغان، الذي يصور نفسه كسلطان عثماني جديد، لم يفعل شيئاً يذكر لاسترضاء دول الجوار من اليونان إلى روسيا، وصربيا وبلغاريا، التي تعتبر سيطرة العثمانين على آيا صوفيا بمثابة استفزاز بأعلى درجاته. لقد أغضبت سياسة أردوغان المرتبطة بتنظيم الإخوان الإرهابي معظم دول الجوار من تركيا، وهنا يمكننا القول: إنه من غير المستبعد تشكيل “وفاق كورديالي” حديث بين اليونان وقبرص وأرمينيا وإيران ولبنان وجورجيا وحتى مصر والعراق ضد أردوغان.
وفي جهة أخرى من العالم نجد نقطة توتر أخرى يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية، هي التشغيل الأولي لسد النهضة الإثيوبي الكبير وعرقلة إثيوبيا للتدفق الطبيعي لنهر النيل، الذي يعد بمثابة شريان الحياة لمصر والسودان، وبدوره لم يخف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تهديده، بقصف سد النهضة إذا أثرت أنشطة تدفق المياه في إثيوبيا على مصر. تعتمد مصر على المعاهدة الأنكلو المصرية لعام 1929، التي منحت مصر مخصصات سنوية لموارد مياه النيل، بالإضافة إلى حق النقض على أي بناء للسدود على منابع النيل، وقد أدى الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا إلى إحياء العداوات القديمة.
زد على ذلك يهدد عدم الاستقرار العالمي الناجم عن الوباء بتحويل بؤر التوتر الأخرى إلى مناطق حرب ساخنة، ولعل من أبرز هذه البؤر، الحرب المستمرة في ليبيا، حيث يدعم أكثر من 3500 إرهابي قام النظام التركي بنقلهم من سورية للإطاحة بالجيش الوطني الليبي، واليوم يشارك في الحرب الأهلية الليبية العديد من اللاعبين الخارجيين. كما هناك مواجهات بين الولايات المتحدة وفنزويلا وروسيا وأوكرانيا والصين والعديد من البلدان الأخرى في بحر الصين الجنوبي، والولايات المتحدة وإيران، لذا يمكننا القول: إن واحدة أو أكثر من بؤر التوتر هذه يمكن أن تقود إلى حرب إقليمية أو عالمية كبرى، خاصة وأن الدول تخشى من تداعيات الوباء الذي يؤثر على بقائها كدول قومية، وفي الوقت الذي يتعرض فيه العالم الآن لخطر الوباء غير المنضبط والحصيلة المتزايدة للوفيات الناجمة عنه، يزداد التفكك الاقتصادي والركود العالمي، ويمكن أن يكونا حافزاً للمواجهة العسكرية من جبال الهملايا وبحر الصين الجنوبي إلى مياه البحر الكاريبي قبالة فنزويلا والموازي لكوريا، وتحويل المناطق ذات البؤر إلى مناطق حرب ساخنة.