كنا في المرتبة 36 عالمياً بمساحة 30 ألف هكتار.. هكذا أضعنا زراعتنا “الحافظة”!!
لا تكف الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، وبالتعاون مع الجهات ذات الصلة، عن إجراء الدراسات والتجارب المختلفة التي تستهدف زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين جودته، عبر البحث عن الطرق والتقنيات الزراعية الأكثر جدوى ومناسبة للبيئة الزراعية المحلية، وتشكل الزراعة الحافظة جانباً مهماً من هذا التوجه، وتمثل أسلوباً زراعياً يتضمن عديد العمليات الزراعية التي تطبق على التربة، وتحسن مكوناتها وتنوعها الحيوي الطبيعي، وتحميها من التدهور والانجراف والتعرية، وتعتمد على الزراعة المباشرة دون حراثة، وتقليل الفلاحة، وتكوين غطاء محصولي دائم من بقايا المحاصيل، فما جدوى وأهمية هذه الزراعة؟
أية زراعة؟
يقول مدير الموارد الطبيعية في الهيئة الدكتور محمد منهل الزعبي إنه يمكن تعريف هذه الزراعة بأنها أية حراثة أو أسلوب زراعي يغطي 30% أو أكثر من سطح التربة ببقايا المحاصيل بعد الزراعة، وتعتمد على ثلاث ركائز: عدم فلاحة التربة، أو فلاحتها بالحد الأدنى من تحريك التربة (البذر المباشر)، وبالتالي التوفير في التكاليف المادية للعمليات الزراعية، ثم المحافظة على تغطية هذه التربة ببقايا المحاصيل، وتطبيق الدورة الزراعية المناسبة.
ويقدم هذا النوع من الزراعة، وفقا للزعبي، فوائد كثيرة أبرزها وقف تدهور التربة، تقليل تكاليف الإنتاج الزراعي، والاقتراب من النظام البيئي الطبيعي والحد من التحورات الطبيعية التي تحدثها الزراعة التقليدية في البيئة الاصطناعية، وتراجع القدرة الإنتاجية للأرض المفلوحة مع الزمن، عدا عن زيادة إنتاجية النباتات خصوصاً في مواسم انحباس الأمطار، وأخيراً زيادة كمية الماء الأخضر في التربة.
مؤشرات مبشرة
بدأت جهود نشر هذه الزراعة في محافظة الحسكة، منذ عام 2006، ثم توسعت إلى مناطق ومحافظات أخرى، حيث شكلت لجان فنية لهذا الغرض، وجرى التعاون مع أكثر من جهة بحثية مثل “إيكاردا” و”اكساد” و”هيئة الاستثمار” وممثلين عن الهيئة العامة والإرشاد الزراعي.
ويشير الزعبي إلى أنه، ومن خلال الإحصائيات العالمية لعام 2013، فقد احتلت سورية المرتبة 36 عالمياً في مجال الزراعة الحافظة من إجمالي 55 دولة تطبق أنظمة هذه الزراعة، حيث بلغت مساحة الأراضي المزروعة 30 ألف هكتار موزعة على مناطق واسعة من الأراضي السورية، كما احتلت سورية المرتبة الخامسة على مستوى قارة آسيا، والمرتبة الثانية في إقليم غرب آسيا وشمال إفريقيا.
ورشة وتوصيات
وعقدت وزارة الزراعة مؤخراً ورشة عمل برعاية مؤسسة الآغا خان حول الزراعة الحافظة في سورية، شاركت فيها مديريات الوزارة ذات الصلة، ومركزا “إيكاردا” و”اكساد”، ومنظمة الزراعة والأغذية الدولية FAO، وبرنامجا الغذاء العالمي WFP، والأمم المتحدة الإنمائيUNDP.
وركزت توصيات الورشة على جملة من الإجراءات والسياسات التي من شأنها دعم استراتيجية التوسع في الزراعة الحافظة، ومن أبرزها التشجيع على الانتقال من نظام الزراعة التقليدية إلى نظيرتها الحافظة، وتشكيل لجنة تنسيق تضم ممثلين عن الشركاء جميعا” بإشراف الوزارة، بحيث تضع الخطط، وتطور الاستراتيجيات، وتدعم إعداد وتنفيذ المشاريع الزراعية بنظام الزراعة الحافظة، وتوزع الأدوار على الشركاء وتحدد المسؤوليات، إضافة لتبادل الخبرات والتشارك بالبيانات والمعلومات، وتوحيد المصطلحات والتعاريف، وإنشاء شبكة تواصل وعقد الاجتماعات والمشاركة في المؤتمرات ذات الصلة.
ومن هذه التوصيات إطلاق برنامج وطني لدعم تطبيق تقنية الحافظة على معظم الزراعات البعلية، والتوجه نحو الزراعات المروية والأشجار المثمرة، وضمان تكاملها مع الثروة الحيوانية، بما يضمن مواجهة الجفاف والتحديات المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع التغير المناخي، وتشجيع وتحفيز الورش الصناعية لتصنيع البذارات الخاصة بالحافظة أو تعديل البذارات التقليدية، مع وضع قروض شراء هذه البذارات ضمن جدول الاحتياج للمصرف الزراعي وإعطاء الأولوية لهذه القروض والمدخلات المتعلقة بها، كذلك توجيه البحوث الزراعية لدراسة كفاءة استخدام المياه وخواص التربة والدورة الزراعية، وإدارة بقايا المحاصيل، ومكافحة الأعشاب، وتطوير البذارات ونظام تلقيم البذور، وإدراج مقرر عن الزراعة الحافظة في المناهج التعليمية للمدارس الزراعية والمهنية والجامعات.
يبقى أن..
اللافت أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بينت أن حل مشكلات الزراعة في سورية، خلال الأزمة، هو بتحويل مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية إلى نظام الزراعة الحافظة، ما يدفعنا للسؤال عن جهود دعم هذه الزراعة المجدية استثماريا”، وتطويرها، بما يعزز قطاع الزراعة الوطني، وجانبا” مهما” من الأمن الغذائي.
أحمد العمار