محكمة الجنايات الدولية.. الدور والوظيفة
ريا خوري
نشرت العديد من الصحف العالمية تقارير موثوقة عن (قائمة سرية) تضمنت نحو ثلاثمئة من أسماء المسؤولين الصهاينة سيحضرون أنفسهم لمواجهة ملاحقات قانونية من المحكمة الجنائية الدولية جرّاء انتهاكهم للقانون الدولي، وقيامهم بأعمال إجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني وبناه التحتية، بناء على قرار أصدرته المدعية العامة فاتو بنسودة حول الولاية الجغرافية لفلسطين في نهاية عام 2019 بشأن توفر دلائل وقرائن ووثائق على ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن لذلك بلا شك دوراً كبيراً في هز البنية السياسية في الكيان الصهيوني.
إعلان بنسودة نيتها فتح تحقيق في احتمال ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية في الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة، كونه من صلاحيات محكمة الجنايات الدولية، قادت لتدخل الولايات المتحدة بشكل فظ في عمل المحكمة، فيما زعم الكيان الصهيوني أن المحكمة ليست لها أية صلاحية للنظر في أية قضية تتعلق به.
هناك اعتقاد ساد في أوساط مختلفة ومتعددة بأن لجوء هيئات المحكمة إلى التأخير والتباطؤ منذ بدء فتح التحقيق الأولي في جرائم الحرب الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2015، يعود إلى ضغوط خارجية، حيث تثبت الوقائع ذلك/ حين سعى الكيان الصهيوني وإدارة ترامب إلى ممارسة ضغوط قوية على المحكمة من خلال الكثير من الإجراءات والتدابير الإعلامية والدبلوماسية، أهمها إصدار الرئيس الأمريكي أمراً رئاسياً يسمح بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على جهات عليا في محكمة الجنايات الدولية إذا ما تجرأت على القيام بالبحث في جرائم الحرب التي قام بها الجيش الأمريكي في أفغانستان، أو جرائم حرب للدول والتنظيمات الحليفة للولايات المتحدة، بخاصة الكيان الصهيوني.
كانت بنسودة، التي تنظر في جرائم الحرب في فلسطين المحتلة، أحد العراقيل والعقبات التي وقفت أمام اتخاذ الكيان الصهيوني قراراً بضم الأغوار، وشمال البحر الميت استناداً إلى صفقة القرن الأمريكية، لكن الكيان الصهيوني أنشأ هيئة خاصة برئاسة الوزير الصهيوني زئيف ألكين لمجابهة المحكمة الجنائية الدولية ومواجهتها، ما يعني أن هذا السلوك وهذا المنهج يؤكدان أن ما لجأ إليه الاحتلال هو مجرد التفاف وألاعيب تهدف إلى منع قرار المحكمة، لكن ثمة اعتقاداً بأن محكمة الجنايات الدولية ستأخذ بموقف بنسودة، وستسوّغ بدء التحقيق في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل الرابع من حزيران 1967، وهناك تقديرات ضعيفة باحتمال رفض محكمة الجنايات الدولية طلب بنسودة، ولكن هناك من يؤمن بأن محكمة الجنايات الدولية قد تتخذ قراراً بإعادة الملف للمدعية العامة.
إذا سوّغت المحكمة للمدعية العامة فتح التحقيق، فمن شبه المؤكد أن هذا سيقود إلى إصدار أوامر جلب واعتقال، ليس بالضرورة أن يعلم بها الكيان بشكل مسبق، وهذا ما قاد في جزء منه إلى إعداد القائمة السرية التي تضمنت نحو ثلاثمئة من أسماء المسؤولين الصهاينة المجرمين، والتي أوجبت أخذ الحذر المفرط في كل ما له صلة بسفر شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية صهيونية إلى الخارج خشية اعتقالها، وتقديمها للمحاكمة.
الجدير بالذكر أن صحيفة (هآرتس) الصهيونية نشرت تقريراً عن (القائمة السرية) قالت فيه: “إن عدداً كبيراً من الخبراء في القانون الدولي يؤكدون أن القائمة السرية تضمنت أسماء مسؤولين كبار في الكيان الصهيوني، وقادة جيوش، وضباط أمن، ومسؤولين عن الاستيطان، مطلوب التحقيق معهم ومحاكمتهم، وعلى رأسهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو”.
من المعروف أن محكمة الجنايات الدولية تضم مئة واثنتين وعشرين دولة، وبحسب الخبراء فإنه لا توجد أية حصانة لأي رئيس من رؤساء الدول، ولا للوزراء الحاليين والسابقين أمامها، وهذا ما يجعل قراراتها الصارمة صادمة، وتضع الدولة ومسؤوليها في مأزق حقيقي، بخاصة المتورطين في مجال الاستيطان.