“براقش” العربية عرّت الامبراطور الأميركي من ثيابه!
ثمّة أصابع زئبقيّة للسياسة تُحيك كلّ شيء، يا للسخريّة!. ونحنُ هنا، نبحث عن الحدّ الأدبي الذي يُجيز الشماتة من صنّاعها، أولئك المتعجرفين النّرجسيّين، الذين نشاهد بفرحٍ عارم فشلَهم المريع في حلّ الكثير من القضايا الإشكاليّة العالقة. خصوصاً، أولئك المتبوئين أعلى مواقع صنع القرار العالمي، لكن ألا تتعارض هذه الصّفة الذميمة، أيّ الشّماتة، مع الأخلاق والسلوك الإنساني القويم؟ والجواب هو، هل تعرف السياسة ومنظّروها شيئاً عن “الأخلاق”؟ ألم نقرأ في كتبنا المدرسيّة يوماً، بأنّها: ” فنّ المراوغة والكذب”؟. ولعلّ التّطبيقات والأمثلة التي تدلّ على هذا المغزى أكثر من أن تُحصَى.
باعتقادي ما يُجيز الشّماتة ويشرّعها بمعنى ما، هو أن يمتلك الشّامت/ النّاقد شرعيّة الوسيلة كنقد منطقيّ ساخر وحيويّ، يكتشف من خلاله عيوبَه الذّاتيّة عبر كشف عيوب الآخر، والعكس صحيح. هكذا نضع شماتةَ التاريخ من المتجبّرين والظّلمة، في موقعها الصّحيح. بعد أن امتلأتْ بهم مزابله. أولئك الذين ظنّوا بأنّهم يملكون كلّ شيء، فأوغلوا في دماء شعوبهم أوّلاً، بعد أن نجحوا في غسلِ أدمغتها من كلّ فيروسات التّمرّد، وألقوا على بصيرتها غشاوة وضباباً بحيث لا تعرف ما يجري خارج نطاق مجتمعاتها، ثمّ أوغلوا ثانياً، في دماء وأجساد شعوب العالم أجمع، سفكاً ونهشَاً. من “دراكولات” ونيرونات روما وأثينا، إلى لويسات فرنسا، إلى هتلر ألمانيا، إلى شارونات “إسرائيل” المتبدّلي الأقنعة، إلى محمّدات بن سلمانها، وأمثالهم الكثر، من رموز البطش العالمي القديم والحديث. وأخيراً وليس آخِرَاً ، العنصري الحديث، مصّاص الدماء الذي يتلذّذ وينتشي بخنق الشعوب وموتها البطيء. دراكولا العصر “ترامب”، هو زمن التّغول الأميركي إذاً، بأعلى أشكاله الوفي للشّعار السياسيّ الميكيافيللي الشّهير “الغاية تبرّر الوسيلة”. انطلاقاً من مبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان”، حيث تُنتَهك كلّ القوانين والأعراف الدوليّة الأخلاقيّة، وتُستبَاحُ وتُنهَبُ ثرواتُ الشّعوب المغلوب على أمرها علانيّة، كما يجري في وطننا “سورية” من تجويعٍ للشعب، وسرقة للنّفط وبقيّة الثروات الوطنيّة.
ما يحكمنا الآن هو، قوانين الغاب الأميركيّة. حيث تشرّع وسائل الفتك بالآخرين، حتى لو أدّى حجم الضّرر إلى الشّلل التامّ والموت البطيء للشعوب. هذا السّلوك الوحشي المنفلت من عقاله للغول الأميركي، ليس جديداً، لكنّه الأكثر فتكاً، باعتباره يمثّل مأزق الرّأسماليّة العالميّة بأعلى مراحلها الامبرياليّة وبأشدّ أزماتها البنيويّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة حدّة، وقد بدأتْ تناقضاتها الجوهريّة تستفحل في داخلها، الحدّ الذي سيؤدِي بها إلى الانهيار، كما حدث لغيرها من إمبراطوريّات العالم القديم والحديث. تلك هي مقولة التّاريخ. حيث لا شجرة وصلت إلى ربّها كما يقال، والمثير للسخرية حقّاً، هو أنّ كلّ الكذب والديماغوجيا، وشعارات الحرية والديمقراطية التي حاول الإعلام الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً المسيطر على مفاصل العالم، تصديرها لنا، تبيّن بأنّه يفتقدها بقوّة، في مجتمعاته ذاتها، حيث شاهد العالم كلّه، بالصّوت والصّورة ما يحدث هناك، في “الجنّة الأميركيّة” والغرب عموماً، أثناء التّظاهرات السلميّة!.
كمْ جلتْ الشّعارات المرفوعة الزّيف والغشاوة عن الأعين: “من واشنطن وحتى فلسطين، العنصريّة واحدة” و”دعونا نتنفّس” تلك العبارات المخنوقة لم تلفظها حنجرة المغدور جورج فلويد لوحدها، وهو الأمريكي المنحدر من أصول إفريقية، الذي فارق الحياة خنقاً تحت ركبة أحد ضبّاط الشّرطة الأميركيّة البيض، على مرأى من عدسات التّصوير، بل لفظتها حناجر كلّ الشعوب المقهورة في العالم، بصيغٍ مختلفة. وآخرها الشّعب الأميركي، خصوصاً بعد اجتياح الوباء العالمي كورونا له. الوباء القاتل الذي ظلّ ترامب المتعجرف ينكر وجوده، حتى حصد ولا يزال عشرات الآلاف من أرواح الأمريكيّين الأبرياء، وظلّ إعلامُه السّياسي يكذب بوقاحة محاولاً التخفيف من الكارثة، وللمفارقة المضحكة جداً، أنه بدأ باستخدام مفردات الشارع العربي نفسها، بحرفيّتها تماماً، تلك التي تناقلتها الألسنة في مرحلة ما سمّي بـ “الربيع العربي”، بأنّ ما يحدث في المجتمع الأمريكي من خلخلة ومسيرات حاشدة، يسبّبه مندسّون بين أفراد الشعب، وأنّ أصابع خارجيّة هي التي تُحيك المؤامرة.
هكذا انعكس السّحر على السّاحر بشكل دراماتيكيّ مريع، ولم ينفعْ كلّ نُباح “براقش” المتوهّمة بانحسار الخطر عن أسوار بلدها، في إخفاء حقيقة ما يجري في الشارع من مطالب محقة، فقد تبيّن أنّ المجتمع الأميركي مخنوق، ويحلم بالتنفس كغيره، وقد أصابه ما أصابه على يد ترامب وطاقمه العنصري، ممّن لا يرون في الشعوب، بما فيها الشعب الأمريكي، سوى مطايا وأدوات لتحقيق المطامع الشخصية بالتحديد، وبأحسن الأحوال يرونها مجرّد بقرات حلوب، يجب أن تدرّ عليهم حليب الربح الدائم مهما ساء غذاؤها وعلفها.
اللّهم لا شماتة بما يجري هناك!! حيث تسيطر عصابة من المافيا السياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة بشبكتها العنكبوتيّة، الهائلة الانتشار، على أنفاس العالم وتحجب عنه الهواء والشّمس. كلّ الشكر لـ “براقش” العربيّة المخدوعة، وقد نفضتْ عن نباحها كلّ غبار التّاريخ، لتتناسخَ “جراءً” كثيرة على مستوى العالم، وخصوصاً هناك في الغرب الأميركي، معيدة لنا شيئاً من حقّنا المعنوي على الأقلّ، بعد أن زال المكياج الهوليودي عن الوجوه وتبيّن للعالم المقهور، بأنّ الامبراطور الأميركي عارٍ تماماً من الثياب!.
أوس أحمد أسعد