أنتم الأحبة ولكم الصدارة
سلوى عباس
جاؤوا إليّ يسألونني عن يوم الجيش، وإحساسي بهذا اليوم، وكيف أتابع كصحفية الفعاليات المتعلقة بالجيش؟ أجبتهم: ومن أحقّ مني بالحديث عن عيد الجيش وأنا ابنة هذا اليوم وهذه المؤسسة، حيث كان والدي أحد أفرادها. وربما هذان السببان ولّدا لدي انتماءً وطنياً فطرياً، وأصبحت هذه المؤسسة جزءاً هاماً من حياتي بحكم الفترة التي قضاها والدي فيها، واستمرت معي حتى الآن.
أعادني السؤال بالذاكرة إلى أيام حرب تشرين، حيث كنت مازلت طفلة تغازل ضفيرتين قضت أياماً تراقب نموّهما بسعادة لا يضاهيها سعادة، فأفسدت الحرب متعتي ووجدت نفسي أفك ضفائري وأرمي شرائطها بعيداً حيث غادرني الفرح بهما لينصرف اهتمامي إلى معرفة تفاصيل ما يجري، ولو أنّ بعض الأمور كانت عصية على الفهم على طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، وهي ترى الناس وقد ارتدت وجوههم ملامح الخوف والقلق والارتباك غير المعلن، الأمر الذي أثار دهشتي وحرّك فضولي الطفولي لمعرفة ما يجري وأخذني بعيداً عن ملاعب الطفولة، أتابع تطورات الحدث لأفهم ماذا تعني الحرب، لكن دون جدوى.
كان أهل الحارة يجتمعون في الملاجئ ليلاً خوفاً من الغارات الإسرائيلية، وكنت أنا موزعة ما بين أوامر والدتي بأن أبقى بجانبها وبين مغافلتها بالخروج من الملجأ والتنصّت على أحاديث الرجال لمعرفة أخبار الحرب، وكنت أشعر نفسي حينها متحررة من الخوف أو أني كنت لا أدرك معناه، وأذكر كم كانت روحي تتألق فرحاً عندما يتحدثون عن هزيمة ألحقها جنودنا بالعدو، وبالمقابل كان قلبي ينقبض عندما يشن العدو أيّ هجوم علينا، واستمرت الحرب ما بين إشراقة حيناً وعبوس حيناً آخر، إلى أن أشرقت شمس الانتصار التي رسمت ذاكرةً جديدةً لوطن رايته خفّاقة نحو غد مضاء بالأصالة والعظمة. ذلك النصر الذي أورق في قلوب الناس ربوة من ياسمين تبدّت كحزمة ضوء متألق في امتداد ساكن للظلمة، وكوريقة خضراء أينعت مرة على غصن غابة من شوك ويباس.
الآن، وللسنة العاشرة على التوالي، تأتي ذكرى “عيد الجيش” ونحن نعاني ويلات حرب عالمية ظالمة على كل المستويات تختلف كثيراً في معطياتها وتفاصيلها عن حرب تشرين، وجيشنا الذي انتزع الانتصار من العدو الإسرائيلي يثبت اليوم وفي كل لحظة أنّه على قدر العزم الذي عوّل الوطن على بطولاته وتضحياته، فكان مثالاً للإقدام والعنفوان والإباء، يعطي ويجزي العطاء. فعيد الجيش يوم وطني يعيشه جيشنا بعزيمة وثبات أكثر، وهو عيد للشعب السوري كله، ومنذ اللحظة الأولى لانطلاقة هذا العيد لم يختلف إقدام جنودنا في الذود عن الوطن، لكن مهمته ومسؤوليته بهذه الظروف زادت وازداد إيماناً بأن سورية يليق بها الفرح والحياة، وهذا ما يعمل عليه جنودنا على كل الجبهات وسيحققونه، وهذا العيد تكريم لبواسل الجيش ولإنسانيتهم وتقديراً لجهودهم. وهنا يحضرني حديث لأحد الجنود المرابطين على خط النار بمناسبة عيد الجيش يمثل حالة رفاقه على كل الجبهات السورية إذ قال:
“يشرفنا أننا نقاتل من أجل بلدنا سورية الذي يمتد آلاف السنين في التاريخ والحضارة، وسنبقى نحن أبناء هذا البلد نشكل سياجه وحماته من أي شيء يمكن أن ينال منه أو يمس ذرة من ترابه، والعيد يأخذ قيمة أكبر عندما نكون على خط النار في الخطوط الأمامية للجبهة، ونعرف أن هناك من يحتفي بنا، ويعنيه أن يقول لنا (كل عام وأنتم بخير.. أنتم أبناء تليقون بهذا الوطن)، من قلب صادق وان شاء الله تعالى قريباً سيتحقق النصر”..
أبطالنا الميامين.. أحتار ماذا أقول لكم في عيدكم!؟ وبأي كلام أخاطبكم، فسمائي أضيق من غمامتكم الظليلة، وجناحاي أصغر من فضائكم الفسيح، لذلك ليس أمامي إلا أن أنحني أمام هاماتكم وأجدد دعائي لكم أن تبقوا شمعة تضيء ذرا بلادنا.. تحتضنون الوطن في وجدانكم.. أنتم الحقيقة التي تجلت بعظيم تضحياتكم، ومن بطولاتكم تنبت شجرة من عبق الحياة، لكم السلام وعليكم السلام. عشتم وعاشت سورية التي ستبقى بسواعدكم وسهركم عليها قبلة للعالمين، ومدرسة للبطولة والتضحية والفداء.. فأنتم الأحبة ولكم الصدارة.