على وقع الحرارة العالية.. عيد الأضحى يلهب الجيوب وأسعار الأضاحي تبطل طقوسه!!
اعتاد أبو عزام في كل عيد أضحى ذبح عشرة خراف، وتوزيع لحمها على الأسر الفقيرة في أرجاء بلدته الكبيرة كطقس اعتاد عليه منذ أعوام مضت وهو الميسور الحال، ولكن على ما يبدو حتى أبو عزام سيتخلى حسب قوله عن هذه العادة نتيجة الأسعار المرتفعة للخراف التي بدأت بـ ٣٠٠ ألف ليرة ولم تنته بـ ٥٠٠ ألف.
في الأضحى
اعتاد معظم الناس في عيد الأضحى تقديم الأضاحي والزكاة عن المال للأسر الفقيرة والمحتاجة كعادة ترجع لطقوسهم، واختلاف احتفالهم، وتباركهم بهذا العيد، إلا أن هذا العام، على ما يبدو، جاء مختلفاً من كل النواحي والظروف سواء المعيشية، أو الاقتصادية، إلى جانب الصحية التي حملت مؤخراً فيروس كوفيد-١٩، في وقت تشهد أسعار اللحوم، وهي الأساس في هذا العيد، ارتفاعاً كبيراً، خاصة التي تذبح أمام العين في المحلات، فسعر كيلوغرام الغنم يصل إلى أكثر من 18 ألف ليرة، في حين أصبح سعر خروف التربية الواحد حسب المربين 100 ألف ليرة، ولا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر.
أم جابر قالت: كانت النية ذبح عجل، ولكن عندما سأل أبو جابر عن سعره تفاجأنا بأنه يصل لحدود الـ 700 ألف، وهذا ما يفوق قدرتنا بأضعاف، لذلك عزفنا عن الفكرة وقررنا شراء خروف، لم يكن الحال أفضل، تقول أم جابر، فخروف التربية يبدأ سعره بـ 150 ألفاً بعد أن كان 100 ألف، وهو غير صالح للذبح لأنه صغير الحجم ويحتاج لأشهر كثيرة ليكبر، أما الخروف العادي فقد اشتريناه بـ 400 ألف، وهو أيضاً مرتفع السعر، لكن للعيد طقوساً وعادات لابد منها، أما أبو أحمد فقد قرر في “الأضحى” ذبح 20 فروجاً، يقول: لا أستطيع شراء خروف ولا أغنام، واعتدنا تقديم أضاح، وهي عادة ورثناها وتناقلناها، ولا يمكن أن نتجاهلها، فأحياناً المجتمع لا يرحم للأسف، فتكاليف العيد باهظة، وهي لا تتوقف عند خروف أو حلويات، هناك ملابس العيد و”العيدية”، واستقبال الضيوف، وهي كلها تكاليف إضافية تترتب على كل أسرة معنية بـ “الأضحى”، فمن لم يدخر منذ أشهر ليستقبله، لن يمر وضعه المعيشي بسلام، وهي حقيقة وليست مجرد كلام، فأنا حتى الآن وضعت ما يقارب 150 ألفاً.
ما تقول الزراعة
غرفة زراعة دمشق عزت مؤخراً ارتفاع أسعار الخروف والماعز إلى عمليات التهريب التي تمت في المناطق الواقعة خارج السيطرة، إضافة إلى تهريب إناث الأغنام والماعز الشامي ذات السلالات المحلية التي لا تقدّر بثمن لأنها سلالات محلية، وتهريبها إلى دول الجوار: “العراق- أربيل- الأردن- لبنان” يؤثر على السوق المحلي.
ومع ارتفاع نسبة المواليد من الخراف والماعز خلال الموسم الحالي التي فاقت الـ 80% من الأغنام، و90% من الماعز فإن المادة مطلوبة بكثرة في دول الخليج، وتهريبها عن طريق لبنان يؤثر سلباً على سعر اللحوم، وبالتالي على جيب المواطن.
فرحة العيد
لم تتوقف “مطبات” فرحة العيد عند أسعار الأغنام والماعز، بل كان للملابس حضورها أيضاً، فأسعارها لا ترحم، حتى البالة التي كانت وجهة معظم الأسر ترفعت أيضاً على الناس وباتت لاهبة، فسعر “البنطال” 10000 ليرة، والقميص 5 آلاف، أما في محلات المناطق العشوائية فقد بلغ سعر بنطال الجينز 29 ألف ليرة، قالها البائع وهو يروّج له بأنه تركي المنشأ، وعند السؤال عن كيفية وصوله لمحله بسعر العقوبات والحصار قال: “والله تركي وعم بيعو براس مالو وعندي كمان جينزات داخل فيها خيط صيني وباكستاني بـ 18 ألفاً، ووطني بـ 11 ألفاً”، وعندما سألناه عن خوفه من “شي كبسة أو فسدية”، قال: “لوين ما وصلت توصل ما حدا بيطلع معو شي”.
أمور مستفزة تحصل قبل العيد، وفلتان في الأسعار يجعل الشارع يلتهب كما درجات الحرارة هذه الأيام، وللأسف هناك شريحة لا تعي معنى الوضع المعيشي المتدني، كالصغار مثلاً، فهم ينتظرون العيد من أجل الملابس والعيدية والحلويات، وفي ظل فيروس كورونا والبقاء في المنزل دون الخروج للعب بالأراجيح ليس هناك من مهرب من “التبضع” بعد أخذ الاحتياطات الاحترازية.
أم هبة والدة أربع فتيات قالت: اشتريت لبناتي بما يتجاوز الـ 150 ألفاً، وهي ملابس بسيطة، ولكن للأسف الأسعار مرتفعة جداً، وصنعت بعض حلويات العيد بتكلفة 30 ألفاً، لا يمكن أن أشرح لبناتي أن الوضع المعيشي سيئ، فليفرحن قليلاً فالحزن ما أكثره، والفرح ما أقله في هذه الأيام.
قد تساعد
الخبيرة الاجتماعية هيام عبده قالت: عيد الأضحى له طقوس مختلفة، فالأضاحي التي تقدم تمثّل تكلفة على المواطن، لاسيما في ظل جنون الأسعار الحالي، وللأسف هناك عادات اجتماعية وطقوس لا يمكن التخلي عنها بسبب المجتمع، وقد يصل الأمر ببعض الأسر لترتيب الديون عليها حفاظاً على “بياض وجهها ” أمام المجتمع، وهي أمور لا يمكن معالجتها، فالعرف الاجتماعي في بلدنا لا يرحم، وفيما يتعلق بالعيد وكيفية قضائه، فضّلت عبده تمضيته مع الأسرة، وابتداع بعض الألعاب، ومشاهدة برامج يحبها الصغار، واستقبال المقربين بعد أخذ الاحتياطات الاحترازية، “رغم أني ما بفضّلها”، وتقول الخبيرة: أيضاً هناك عائلات تصر على تبادل التهاني والمباركات في الأعياد، رغم أن الصحة تأتي في المرتبة الأولى، فأعداد المصابين في تزايد، ولا ضير من البقاء في المنزل، وقضاء العيد مع العائلة، والتقرب أكثر من الأبناء.
نجوى عيدة