الأبعاد الجيوسياسية للصراع على الغاز والنفط في شرق المتوسط
إبراهيم أحمد
تحوّل الصراع على ثروات النفط والغاز في البحر المتوسط إلى مادة ملتهبة تزيد من أسباب النزاعات والخلافات على المصالح، فمن الصراع المائي والنفطي قديم العهد بين لبنان و”إسرائيل” إلى الصراع المنفجر حديثاً بين تركيا من جانب، وكل من اليونان وجمهورية قبرص من الجانب الآخر، إذ تجاهلت تركيا أردوغان، في طريقها للتوسع السياسي للوصول إلى الشواطئ الليبية، أن شواطئ جزيرة كريت هي أراضٍ يونانية، وصولاً إلى الصراع الثالث، حديث العهد، القائم بين تركيا ومصر الدولتين الكبريين في منطقة شرق المتوسط، نظراً لارتفاع عدد السكان في كلّ منهما من جهة، وتقدمهما الصناعي من جهة أخرى، ما يتطلّب استهلاكاً عالياً من الطاقة لتغذية هذه الصناعات.
في عام 2010 كشفت دراسة أن حوض شرق البحر المتوسط يحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط، وإن كانت بعض المصادر توقعت أرقاماً أعلى. ووفق هذه التقديرات التي نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وتقديرات شركات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، فإن حوض شرق المتوسط يعدّ من أهم أحواض الغاز في العالم، إذ أن المنطقة تعوم فوق بحيرة من الغاز تكفي لتلبية حاجة سوق أوروبا لمدة 30 عاماً، والعالم لمدة عام واحد على الأقل. وتتمركز المنطقة البحرية الغنية بالنفط والغاز، داخل الحدود البحرية الإقليمية لعدد من الدول هي: تركيا، سورية، قبرص، لبنان، مصر، فلسطين المحتلة.
وهنا تشكّل تركيا نقطة عبور مهمة لنفط وغاز روسيا ودول بحر قزوين إلى أوروبا، إلا أنها تفتقد الاحتياطات البترولية وهي بحاجة إلى زيادة وارداتها السنوية البترولية، نظراً لضخامة وتطور صناعاتها. ولهذا انتهز أردوغان فرصة التنقيب عن النفط في شرق المتوسط للهيمنة على ثروات المنطقة. وهكذا كان دخول الجانب التركي على خط المواجهة في الإقليم من البوابة الليبية سبباً مباشراً في تأجيج الصراع، ودخوله مرحلة جديدة على المستوى السياسي والعسكري معاً، ما دفع دول المنطقة إلى إنشاء “منتدى غاز المتوسط”، استبعدت منه نظام أردوغان.
لقد شاركت العوامل الاقتصادية والجيوسياسية في اكتشاف البترول (النفط والغاز) بمعظم الأقطار المنتجة، وازداد معها الصراع الجيوسياسي في بعض الأحيان ليشمل منافسات حادة بين الشركات الدولية، واشتدت النزاعات أحياناً للحصول على شروط مفضّلة لتتطور وتشمل نزاعاً بين دول الشركات المتنافسة (الدول الصناعية الكبرى)، وامتدّت أوجه النزاعات هذه طوال القرن العشرين لتبرز مؤخراً في الصناعة الغازية الفتية في شرق البحر الأبيض المتوسط، إذ شجع اكتشاف الغاز في المياه المصرية شمال ميناءي الإسكندرية وبورسعيد، الدول والمناطق المطلّة على شرق المتوسط، التي تشكو من شح مصادر الثروة البترولية في أراضيها، على محاولة الاستفادة من الاكتشافات المصرية لبدء المسوحات الزلزالية في مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، للتعرف على جيولوجية مناطقها البحرية، وإمكانية اكتشاف حقول بترولية فيها.
في السابق شكّل الصراع العربي- الإسرائيلي أول الخلافات الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط، ثم عدم ترسيم الحدود البحرية قبل الاهتمام بالاكتشافات البترولية شكل النزاع الثاني لاحتمال تداخل هذه المناطق القريبة من بعضها، ومؤخراً شكّل النزاع التركي- المصري ومحاولات أنقرة للتوسع الصراع الثالث، والسؤال: إلى أين تتجه سفن المتصارعين على ثروات المتوسط؟.