دراساتصحيفة البعث

أردوغان وملف سدّ النهضة.. دور مشبوه

د. معن منيف سليمان

يستغل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان التقارب مع إثيوبيا لحرمان مصر من حقها التاريخي في مياه نهر النيل، إذ أعلن دعم مشروع بناء سدّ النهضة، ومدّ الحكومة الإثيوبية بالمعدّات والأموال اللازمة لضمان نجاح المشروع، لتقليص حصّة مصر من مياه النيل، بعد أن نجحت في إحباط مخطّطه العدواني في التدخل في شؤونها عبر جماعة “الإخوان” الإرهابية. ما يؤكّد أن أردوغان يشغل دوراً مشبوهاً في دعم إثيوبيا في ملف سدّ النهضة، وذلك بهدف الانتقام من مصر، ومحاولة تعطيشها وضرب اقتصادها.

مؤخراً تصاعدت أزمة سدّ النهضة وسط تفاقم المخاوف المصرية من أضرار جسيمة على مختلف قطاعاتها الاقتصادية في ظلّ إصرار الجانب الإثيوبي على استكمال بناء السدّ متجاهلاً مطالبات الحكومة المصرية في هذا الشأن. إن ما تقوم به السلطات الإثيوبية بدعم من النظام الأروغاني يعدّ استفزازاً غير محسوب العواقب والمخاطر، وهو بمثابة إعلان حرب، مع التأكيد على الخيار السلمي للجانب المصري. فهل تقدّم مصالحها الوطنية بعيداً عن أوهام أردوغان العثمانية، أم أن اللجوء إلى المواجهة العسكرية بات الخيار الوحيد؟.

يعود مشروع سدّ النهضة والانتقام من مصر إلى مخطّط قديم رسمه “دالبو كيرك” منذ خمسمائة عام، وكان أحد أشهر السياسيين والقادة البرتغاليين، وكان مهتمّاً بالاكتشافات البحرية، حيث رسم “كيرك” مخطّطه حول تحويل مجرى نهر النيل ليحرم مصر من أرضيها الخصبة فيتمّ تعطيشها وإخضاعها، وقد كتب “كيرك” إلى ملك البرتغال يطلب منه صنّاعاً مهرة ليقوموا بفتح ثغرةٍ بين سلسلة التلال الصغيرة التي تجري عند النيل (أثيوبيا)، ولكنه مات عام 1515، قبل أن يشرع في تنفيذ مخطّطه العدائي.

ولما دخل النظام التركي في صدام مع مصر بعد 30 حزيران 2013، وكان أردوغان الخاسر الأكبر من التغيير الحاصل، إذ كان متوقعاً أن تعزّز العلاقة بين تيار الإسلام السياسي المشترك لحكام تركيا والإخوان في مصر نفوذ تركيا في الشرق، وتفتح أسواق مصر الضخمة لاستهلاك صادراتها، ما جعل أردوغان يتخذ ردّة فعل عدائية، هذا الردّ بدأ بشنّ تركيا حملة إعلامية ضدّ القيادة المصرية، ثم حملة دبلوماسية وصولاً إلى تعزيز التعاون بينها وبين إثيوبيا، عبر صور عدّة من التعاون أشهرها الدعم التركي لبناء سدّ النهضة، حيث إن هذا المشروع يخدم تركيا في سياستها العدائية تجاه مصر، ويشكّل ورقة ضغط على القاهرة.

وتبدو تركيا ماضية في نشاطها وفعاليتها السياسة والاقتصادية في سبيل الضغط على مصر عبر البوابة الإثيوبية، وفي سبيل ذلك وضع أردوغان خطّة ذات محاور متعدّدة لتحقيق أهدافه، فهو يرى أن السيطرة على إثيوبيا تضمن له دوراً محوريّاً في المنطقة، حيث تتحكم في منابع النيل الأزرق الذي يشكل بين 80- 85 بالمئة من إجمالي مياه نهر النيل، ما يجعل جميع دول حوض النيل البالغة 11 دولة من بينها مصر مرهونة بموقف أديس أبابا من بناء السدود المائية، وهو ما ظهر جلياً في أزمة سدّ النهضة، حيث دخلت تركيا على خط الأزمة مستغلة رغبة أديس أبابا في استعادة دورها كلاعب أفريقي وتجاوز محنتها الداخلية.

وحسب دراسات حكومية ومراقبين، سيؤدّي السدّ في حال اكتماله، إلى أزمة مياه كبيرة للمصريين، ستؤّثر سلباً على الزراعة، حيث ستتعرّض ملايين الأفدنة الزراعية للجفاف بسبب شح المياه، وسيؤدّي إلى تقلّص المساحة الزراعية المصرية بنسبة تصل إلى 25 بالمئة ما يعني ازدياد معدّل البطالة، بحسب الخبراء، إضافة إلى تأثّر القطاعات الصناعية والعقارية والسياحية.

إن ما يرمي إليه أردوغان بالتقارب والتعاون مع إثيوبيا، هو تقويض دور مصر، والتضييق عليها مائياً، لفرض أجندات تركية وإثيوبية سياسية واقتصادية على غرار التعاون الإسرائيلي- الإثيوبي. فمن المؤكّد أن تركيا تحاول استنساخ ما سُمّي باتفاقية الرمح الثلاثي، التي وقعتها “إسرائيل” مع إثيوبيا في عام ١٩٥٦، وكان الهدف منها أيضاً هو السيطرة على المياه الإقليمية وفرض نفوذ في منطقة الشرق والقرن الأفريقي من جهة، وإفساد أي توجه مصري لأفريقيا من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار وقعت أنقرة اتفاقية دفاع مشترك مع أديس أبابا في أيار ٢٠١٣، وأقرّها البرلمان الإثيوبي في آذار ٢٠١٥، وجاء في إعلان البيان الختامي لاتفاقية الدفاع المشترك: “تركيا تنقل خبرتها في بناء السدود وتساعد في الدفاع عن السدّ ضدّ أي تهديد”. ما يؤكد أن مصر هي المقصودة من هذه الاتفاقية، نظراً لبعد المسافة بين البلدين، وهذا يدلّ على أننا أمام مشروع تركي إثيوبي لإضعاف الدور المصري، فقد تعهدت تركيا في إطار تعاونها العسكري مع إثيوبيا بحماية إنشاءات السدّ بواسطة أجهزة رادارات تركية تستخدم للإنذار المبكر ومدّ إثيوبيا بنظام صواريخ تركية- إسرائيلية مشتركة الصنع.

كما دأب النظام التركي على الإضرار بمصالح مصر، ويظهر ذلك جلياً في أزمة سد النهضة، فأدلّة تورط أنقرة ثابتة لا تقبل الشك، وبحسب موقع المعارضة القطرية “قطر يليكس”، يعدّ الدور التركي- القطري المشبوه السبب الرئيسي في تعثّر مفاوضات سدّ النهضة في الولايات المتحدة الأمريكية ورفضها للتوقيع، إذ أن وفداً أمنياً قطرياً تركياً سافر إلى أديس أبابا وحمل رسالة مفادها أن الموافقة على المفاوضات المصرية الإثيوبية في الولايات المتحدة ستكون لها خسائر كبيرة لن يستطيع النظام الإثيوبي تحمّل عواقبها.

لقد أخبرهم الوفد أن سحب الودائع القطرية والتركية التي تبلغ ٦ مليارات دولار سيعطّل بناء السد من الأساس، ويؤخّر خطة التنمية الإثيوبية في ظل أزمات عالمية متلاحقة. وأكد الوفد للسلطات الإثيوبية أنهم لن يجدوا في دول العالم من يقبل بضخ مليارات الدولارات وخاصة بعد نجاح المفاوض المصري في إثبات تعنّت إثيوبيا في مفاوضات سدّ النهضة. يشار إلى أن تركيا ضمن قائمة الدول الممولة لسد النهضة من خلال مشروع استثماري زراعي ضخم، لزراعة مليون ومئتي ألف فدان في منطقة السدّ.

وفي هذا الصدد قال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، هاني رسلان: “إن مصر لا تواجه إثيوبيا فقط، ولكنها تواجه تحالفاً عريقاً سواء في الإقليم أو المستوى الدولي”، موضحاً أن “إثيوبيا تحظى بدعم دولي من قطر، وتركيا، والصين، والاتحاد الأوروبي”.

وتشير الطريقة التي تسير فيها المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، حول سدّ النهضة إلى أنها أصبحت عملية سياسية في حدّ ذاتها. كل الأطراف الرئيسية والمراقبة والوساطة بدرجاتها تعلم أنها غير مجدية، ولن تفضي إلى نتيجة حاسمة بشأن تسوية نقاط الخلاف.

إن من يتابع ما يجري في أديس أبابا ووسائل الإعلام، يدرك للوهلة الأولى أن هناك حالة تعبئة لا مثيل لها ضدّ مصر، وكأنها في حالة حرب على الأرض، وليس مفاوضات حول حقوق تاريخية في مياه النيل لمصر، وحقوق تنمية لإثيوبيا نفسها، ما يؤكّد أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك قوى محرّكة ومؤثرة تعمل خلف الكواليس لإلحاق الضرر باقتصاد مصر.