اتفاق النفط: من لا يملك ومن لا يستحق
علناً، وبصفاقة غير مسبوقة، أعلن ترامب نيّته نهب النفط السوري. وعلناً، وبانعدام غير مسبوق للحس الوطني، سارعت ميليشيات قوى الأمر الواقع المسمّاة “قسد” لمنحه ما تسرقه هي أيضاً من ثروات الشعب السوري على شاكلة اتفاق مع شركة نفط أمريكية، وبمعنى آخر اتفق من لا يملك مع من لا يستحق مخالفين بذلك القانون الوطني والدولي معاً، ما يذكّر المتابعين بقصة “وعد بلفور” الشهيرة في هذا المجال.
وكما في كل عملية نهب لصوصي مشابهة فإن الدوافع – وإن كان مبدأ النهب واحداً – تختلف قليلاً بين الأطراف المشاركة بها، ففيما تريد واشنطن التلويح لدمشق بالمقايضة بين الثروات السورية المنهوبة وتراجع حكومتها عن مواقفها وحقوقها القومية والوطنية المعروفة، أي ترغب بتنازل مجاني من “جيب” دمشق وتاريخها بالكامل، تريد “قسد” المقايضة أيضاً، لكن مع الأمريكي، ودون أن تدفع ما يترتّب عليها من جيبها الخاص، بل مما تسرقه من ثروة الشعب السوري بأسره، ليبدو الأمر، بالمحصلة، اتفاق بين لصوص علنيين، يشكّل -على ما وصفته وزارة الخارجية السورية- اعتداءً سافراً على السيادة السورية واستمراراً للنهج العدائي الأمريكي في سرقة ثروات الشعب السوري وإعاقة جهود الدولة لإعادة إعمار ما دمّره الإرهاب المدعوم بمعظمه من قبل الإدارة الأمريكية نفسها.
وبعبارات أكثر تفصيلاً، هذه سرقة موصوفة متكاملة الأركان لكن خطورتها تتجاوز النفط وقضيته، فواشنطن وإن كانت تشهد حالياً “الانهيار الاقتصادي الأكبر” في تاريخ البلاد، بفعل جائحة “كورونا” وسوء إدارة ترامب لها، لكنها تعرف أن هذا النفط، بكميته المحدودة، لن يساعدها في حلّ أزمتها الداخلية، بل هو مجرد ورقة تفاوضية من جملة أوراق أخرى، منها العقوبات الظالمة والاعتداءات “الإسرائيلية”، تريد من خلالها زيادة حدة الضغوط على سورية وتعميق حدّة الأزمة الاقتصادية فيها، لإجبارها على قبول شروط الإركاع والاستتباع المعروفة البنود والتفاصيل.
بدورها تعرف “قسد” أن هذه الصفقة تتجاوز الشق النفعي المالي المباشر منها إلى ما هو أبعد وأخطر، فـ “الميليشيا” التي يركّز خطابها السياسي المخاتل على أن “حل الأزمة السورية بيد السوريين وحدهم”، و”يقوم على الحوار والتفاوض”، لم تلتزم ببنود الاتفاقات التي أبرمت سابقاً عبر “الحوار والتفاوض” بين السوريين أنفسهم، بل وجدت أن “التغيير يكون عبر المبادرات الواعدة والخلاقة”، وأنه من الإبداع الخلاق أن تسرق ثروات السوريين ثم تتفق مع لص آخر على منحها له علّه يساعدها في تحقيق سرقتها التالية الأكبر، وهي سرقة الجغرافيا، التي تخطط لها منذ أعوام طويلة وتغلّفها بعبارات طنّانة رنّانة لا تغني ولا تسمن من جوع.
بالمحصلة، “قسد” الماركسية..!! سابقاً، تعتبر الاتفاق مع الدولة الامبريالية الأكبر “خطوة سياسية لـلاعتراف بالإدارة الذاتية وضمان بقاء الجيش الأميركي”، ويبدو أنها لم تتعلم من دروس التاريخ التي تقول: إن واشنطن تريد أتباعاً عملاء لا أصدقاء حلفاء، وأن “المتغطي بالأمريكي عريان”، كما أنها تكابر على حقيقة أن “الاحتلال إلى زوال لا محالة”، وأن مستقبل السوريين واحد، وهم قادرون، مهما طال الزمن وعظمت المصاعب، على حماية ثرواتهم والحفاظ على وحدة بلادهم، أرضاً وشعباً.
أحمد حسن