دراساتصحيفة البعث

“الجنائية الدولية” ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة والأمريكان؟

سمر سامي السمارة

في محاولاتها الدائمة لتجنّب الاتهام بارتكاب جرائم حرب، تتلاعب الولايات المتحدة بتعريفها للإرهاب، إذ تعتبر واشنطن هجوم مجموعة من السكان المحليين أو جماعة مسلحة في بلد مثل العراق أو أفغانستان، على جنود أمريكيين غزوا البلاد وأطاحوا بحكومتها عملاً إرهابياً. وعليه تسمح الهجمات التي تسمّيها الولايات المتحدة بالإرهابية بتفويض مطلق للردّ ضد الأطراف المعنية أو الدول التي تدعمها، والذي يتضمن اغتيال مسؤولين حكوميين أجانب، لكن بالنسبة للمهاجم الذي تختلف وجهة نظره تماماً، غالباً ما يتمّ وصف الهجوم بأنه مقاومة مشروعة لمحتل أجنبي وهو تقييم يحظى بقبول الكثير من الدول.

بالتأكيد، كلّ ذلك مرتبط بالتعاريف، إذ تغطي الولايات المتحدة جرائمها باستخدام القوة العسكرية من خلال “التفويض الليبرالي” الذي يمنحها الموافقة الشاملة لمهاجمة وقتل “الإرهابيين” في أي مكان وفي أي وقت. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يصبح المرء إرهابياً؟ ومن أعطى الحق للولايات المتحدة بإدراج قائمة سنوية مسيّسة حول “الجماعات الإرهابية والداعمين الماديين للإرهاب”. كانت تلك هي الحجة التي استخدمتها الولايات المتحدة لاغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني، مدعيةً أن فيلق القدس كان على القوائم “الإرهابية” التي صاغتها وزارتا الخارجية والخزانة بالولايات المتحدة، وبالتالي تمّ اعتباره مذنباً في ارتكاب الهجمات على الجيش الامريكي. بطبيعة الحال، كان تبرير الولايات المتحدة لاغتيال سليماني معيباً للغاية، فالذي تدّعي قانونيته لأن الكونغرس أقرّه لا يجعله قانونياً تماماً، كما أن معظم دول العالم ستنظر إلى أن عمليات الاغتيال الأمريكية بطائرة من دون طيار في أفغانستان وأماكن أخرى، والتي تستند على افتراض أن “إرهابياً” ممكن أن يكون موجوداً هناك، على أنها أكثر بقليل من جرائم حرب. تمّ الكشف مؤخراً عن أن إدارة ترامب أصدرت ما يُسمّى بـ “قرار” لتفويض وكالة الاستخبارات المركزية بشنّ هجمات إلكترونية أكثر عدوانية ضد البنية التحتية والأهداف الأخرى في البلدان التي لا تقدم ولاءها للولايات المتحدة. وقد حدّد القرار إيران وكوريا الديمقراطية والصين وروسيا كأهداف معتمدة على وجه الخصوص، ويعتبر هذا القرار ذا أهمية خاصة لأنه ترك للوكالة في الأساس تحديد من تهاجم، وإلى أي درجة تدّعي واشنطن أنها ليست في حالة حرب مع أي من الدول المذكورة، وتسعى بشكل أساسي إلى إلحاق الضرر باقتصاداتها بشكل مباشر.

إذن تشكّل النشاطات التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية جرائم حرب، وبحكم التعريف القانوني المقبول على نطاق واسع، فإن شنّ هجمات على الدول التي لا تشكل تهديداً في الواقع هي جرائم حرب. ولمواجهة الدعاية السلبية حول الإجراءات التي تقوم بها إدارة ترامب، ولإيجاد مبررات للحرب، قامت واشنطن بنشر الكثير من القصص التي تدّعي “العدوان” الإيراني والروسي والصيني، إلا أنه سرعان ما تمّ كشف القصة السخيفة حول قيام روسيا بدفع مكافآت للأفغان لقتل الجنود الأمريكيين، لذا يزعم البيت الأبيض ووسائل الإعلام التابعة، أن القراصنة والجواسيس في موسكو يسعون لسرقة المعلومات المشمولة بحق الملكية التي تتعامل مع تطوير لقاح فيروس كورونا. تطلق واشنطن الدعايات لتلوم روسيا، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الغالبية العظمى من دول العالم تعتبر واشنطن المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار العالمي، رافضةً تأكيد وزير الخارجية بومبيو أن الولايات المتحدة “قوة من أجل الخير”.

من المنطقي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة مسؤولة عن ارتكاب العديد من جرائم الحرب في العشرين سنة الماضية، ومع ذلك فقد حصّنت نفسها من العواقب بسبب قدرتها على التحكم بالعالم، إلى جانب قوتها في المحافل الدولية وعدم رغبتها في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ولكن يبدو أن استعداد المجتمع الدولي-للنظر في الاتجاه الآخر ودعم ازدواجية المعايير أو الكيل بمكيالين في جرائم الحرب- قد تغيّر، وخاصة بعد أن منعت الولايات المتحدة دخول محققي المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب لحماية “إسرائيل” وجنودها وضباط جيشها ومسؤوليها الحكوميين من التحقيق في جرائم الحرب ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين وشعوب المنطقة، وتعلن إدارة ترامب أن الجنود الإسرائيليين والجنود الأمريكيين سيتمّ اعتبارهم واحداً فيما يتعلق بالتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، وهو أمرٌ لا يعرفه إلا القليل من الأمريكيين!.

ردّ الكيان الصهيوني على تهديد المحكمة الجنائية الدولية بإعداد قائمة سرية تتضمن المسؤولين الحكوميين والضباط العسكريين الذين قد يخضعون لأوامر اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية إذا سافروا إلى أوروبا لارتكابهم جرائم حرب في لبنان وسورية وفلسطين، وتضمّ ما بين 200-300 اسم، في اعتراف فعلي من قبل الكيان بارتكاب مثل هذه الجرائم في الواقع. وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن القائمة ستشمل بالتأكيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزراء الحرب السابقين موشيه يعلون، وأفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت، ورئيسي الأركان السابقين بيني غانتس، وجادي أيزنكوت، ورئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي، والرؤساء السابقين والحاليين لجهاز الأمن الشين بيت، يورام كوهين، ونداف أرغمان، على التوالي.

بما أن “إسرائيل” والولايات المتحدة لا تعترفان بسلطة المحكمة الجنائية الدولية، وسوف ترفضان بالتأكيد المشاركة بأي شكل من الأشكال إذا وصلت تهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة، فإن أي مناقشة للقوائم المذكورة سيتمّ رفضها، وستقوم الولايات المتحدة بتشويه سمعة المحكمة باستخدام أي أسلحة متاحة، لتشمل عقوبات ضد الدول التي تدعم أي تحقيق ومحاكمة. ومع ذلك، علينا أن نأمل أن تستمر المحكمة في جهودها لفضح الجرائم التي لا تزال ترتكبها الولايات المتحدة و”إسرائيل” في كل من فلسطين وأفغانستان والعراق وسورية ولبنان، وهذا سيكون في مؤتمر دولي علني يحترم القوانين الدولية ويدعم المحكمة الدولية.