اشتياقات تتوسد الروح
سلوى عباس
على حين انتظار، التقته هناك. كانت ترفل باليأس عندما صافحتها ابتسامة عينيه.. ناداها.. سحبها من اللاوعي الغارقة فيه فاهتزت الأرض وتلمست واقعية وجودها.. كان يعرف الفاصل بين الموت والموت، فاصل تماما كخيط العطر.. كلون البياض وقت عناق الليل للفجر.. سألها كيف حالها؟ عندها انتشلت هذه الطفلة من حلمها لتكون على قدر ابتسامة عينيه، وودعت كل شقائها لحظة ربت على كتفها وأسمعها ما كانت تنتظره منه.. من حلمها به.. ذاك الملتحف وحدته.. فركضت لتكون شلالاً من الأحلام… فالشوك الذي تنام عليه اليوم وحده سيعرّفها لذة طعم العسل، وحده سيعلمها أن مقداراً من البكاء ضروري لشتلات الحلم الغافية فيها.. ومقداراً من الأرق سيفسح لها فرصة من العمر أن تتبع ولادة الزهرة.
***
في هذا الزمن المشحون بالكآبة والحزن والذي يجرجرنا في خيباته وتداعياته نرى أنفسنا على مفترق الحياة، كما شجرة تهزها الريح، مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال. تقتلنا الفوضى التي تضج في أرواحنا، ويستيقظ نهارنا باكراً لنبدأ سباقنا اليومي الذي نرسمه حلماً نعبر به مسار الزمن. نسابق الثواني لنلحق بلحظة تُقرّبنا منه، فكم نحتاج من الاحباطات لندرك القليل عن بديهيات الحياة؟! لنعرف أن العمل والحياة الشخصية منفصلان؟! وأننا نقرأ على الورق؟! كم ينبغي أن نخوض من التجارب حتى لو وصلت بنا إلى حافة الموت؟! وحينها فقط ندرك أننا لم نزل أحياء، وفي لحظة من تعب اللهاث نركن إلى أرواحنا نتلمس وهن قلوبنا التي أضناها الركض، ثم نقضي وقتاً طويلاً من الخيبة قبل أن نلتقط نفسنا الأول في نهاية يومنا، فنلوذ إلى هدأة ليلنا نرسم آفاق يوم جديد، نرتّب فيه جدول احتياجاتنا، عسى أن نوفق في تأمينها.. وهكذا دواليك، تمر أيامنا لنقف على عتبة العمر منهكين، ومع ذلك نعود ونبدأ من جديد لعل حلماً آخر يرتسم في أفق آخر كان غائباً عنا.
***
كتب لها متسائلاً عن فتور انتاب مشاعرها تجاهه: لا أدري لما أحسها بعيدة عني.. تتبدى لي في أحلامي كطير أبيض يزهو في فناء قفصي.. أمد يدي إليه فيميد في البعد أكثر، فأقفل الحلم على سحابة من دخان عاتم وكأن المسافة بيننا تنمو على اضطراد! حتى حين اسمع أنفاسها وأملأ عيني بظلالها ينتابني الوقت الذي يمضي ويجر طيفها متوارياً على أدراج لا أقوى على صعودها.. سياج من إحساس ورهبة مما سيأتي به الغد يحيط بي فيحيلني سجيناً على حدود مرسومة بالترقب والانتظار.. من رسم هذه الحدود؟! من سقى شوكها الأصفر؟! كيف نمت على غفلة مني.. أو منها؟! كلما هتف القلب لها ما فيه، ناء الصوت منها وبدا صدى! كلما همت روحي على يدها أحسست فارق الدفء بين راحتها وتلك اللمسة الأولى! كيف خمد ذاك التوهج الهنيء؟! كيف لوت قرنفلة قلبها احمرارها؟! وتلك الغمامة الندية التي توسدت روحي أين تبعثر غيثها؟! قد تكون حالة ارتباك وإحباط عام تمر بي تركت ليدي أن تكتب ما كتبت.. ولقلبي أن يحس ما أحس.. لكني إذا اشتقتها أنهمر إليها كالمطر.. ترى كيف تشتاقني عادة؟! كدت أنسى!!