محاولات لجرّ لبنان إلى “الوصاية الدولية”
بعد ساعات على انفجار مرفأ بيروت، علت أصوات لبنانية تطالب بتدويل القضية. ثمّة جبهة داخلية تضم نخباً سياسية وإعلامية، تتحرك في تناغم واضح، طلباً للتدويل من جهة، وضد الحكومة والعهد من جهة ثانية في سيناريو يذكر بسيناريو عام 2005. يتزامن ذلك مع دعوات للتدويل على “تويتر”، أغلبها عبر تغريدات لغير لبنانيين.
وجاءت هذه الدعوات، بالتزامن مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت لـ “مساعدة الشعب وليس الدولة”. حسبما زعم في تصريحه الذي قال فيه: “إنّ المساعدات الفرنسية لن تنتهي بأيدي الفاسدين وسنقدم مساعدات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة وستصل مباشرة الى الشعب والجمعيات غير الحكومية”.
وعقّب محللون على زيارة ماكرون بالقول: “إنّ فرنسا هي أصل النظام الطائفي في لبنان، وإنّ ماكرون يحاول أن يكسب نفوذا وشراء تعاطف الفرنسيين، لأن مجملهم يتعاطفون مع لبنان وشعبه”.
وفي مواقف مستهجنة، كان رؤساء الحكومات اللبنانية السابقون سعد الحريري، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، من أوائل من طالبوا المنظمات الدولية لتشكيل لجنة تحقيق لمباشرة مهامها في الكشف عن ملابسات التفجير وأسبابه.
أيضاً، كان ذلك مطلب وليد جنبلاط، قائلاً: “إنّه لا يثق بقدرة الحكومة اللبنانية على كشف الحقيقة”، وكذلك تشدّق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مطالباً بلجنة تحقيق دوليّة ترسلها الأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن، في محاولة لتدويل القضية، وكأن لبنان ليس دولة ذات سيادة.
لكن الرد على هذه المطالبات كان حاضراً، فقال نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي: “إنها تلغي الدولة اللبنانية”، كما أكد وزير الداخلية محمد فهمي أن الحكومة لن تلجأ إلى خبراء دوليين.
ومما لا شك فيه أن دعوات التدويل تأتي من “إسرائيل” وأمريكا لتحقيق هدفهم بوضع لبنان تحت المزيد من الوصاية، خاصة مع مطالبتهم بتعديل مهام “اليونيفيل” وزيادة سلطتها، وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها قضايا لبنان للتدويل، أبرزها قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تأجيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر في قضية اغتيال الحريري، النطق بحكمها إلى 18 آب الجاري، بعد أن كان مقرراً في 7 من الشهر نفسه، وذلك بسبب تداعيات الانفجار الذي وقع في بيروت.
بعد هذه التصريحات، فإنّ السيناريو يشي بمحاولات لفرض وصاية غير مباشرة على لبنان، وهناك من يحاول اتهام حزب الله بالمسؤولية عن الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، ولو بطريقة غير مباشرة، من خلال التلميح إلى أن انفجار بيروت بفعل فاعل، وربط هذا الأمر بحزب الله وسلاحه.
إلا أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، كان قد نفى نفياً قاطعاً في كلمة سابقة له ادعاءات المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن حول استخدام حزب الله لنقل سلاح أو مكونات سلاح إلى لبنان، واعتبر أن هذه التصريحات هي مقدمات لفرض وصاية على المرفأ وعلى المطار وعلى الحدود، يريد البعض من لبنان أن يصل إليها، كما حذّر من لديه مشكلة مع حزب الله من تعريض مرفأ بيروت إلى المخاطر.
وأعلنت بيروت “مدينة منكوبة” بعد انفجار مستودع يحتوي على 2750 طناً من مادة “نيترات الأمونيوم” في المرفأ، وصلت أصداؤه إلى الجنوب وبعض قرى البقاع، ما تسبب بتدمير المرفأ كلياً وعشرات المباني المحيطة به، كما تضررت مبانٍ عدة في بيروت وضواحيها جرّاء شدة الانفجار، وتستمر عمليات الإغاثة في المدينة المتضررة بشكل كبير جرّاء الانفجار، ولا تزال أعمال البحث عن المفقودين جارية، إذ ارتفعت حصيلة انفجار مرفأ بيروت إلى 137 شهيداً، وزاد عدد الجرحى على 5 آلاف، حسبما أعلن وزير الصحة العامة اللبناني حمد حسن.
وكانت إدارة مرفأ طرابلس قد أعلنت أنه ستصل إلى المرفأ سفينة محملة بالقمح قادمة من أوكرانيا فيها 5500 طن، كما ستصل أيضاً ثلاث سفن أخرى في الأيام المقبلة وسيتم إفراغها بالسرعة القصوى ونقلها إلى كل المناطق اللبنانية، كما أشارت إلى أن المرفأ خالٍ تماماً من أي مواد كيميائية أو مفرقعات نارية أو مواد خطرة لأنه لا يستقبل في الأساس هذه المواد الخطرة.
وكان الانفجار في مرفأ بيروت أدى إلى تدمير صوامع الحبوب الموجودة فيه وتلوث محتوياتها، حيث يشكل هذا المرفأ الطريق الأساسي لتوريد القمح ومعظم السلع إلى لبنان.