غليان شعبي ضد جرائم الاغتصاب.. الجانحون بين رحمة القانون وقصور مراكز الإصلاح!
لاحظنا حالة الغليان الشعبي التي خلفتها حادثة اغتصاب وقتل الطفلة سيدرا في محافظة طرطوس من قبل قاصر بعمر 13، وآخر بعمر 17، حيث طالب الجميع بإيقاع أقصى العقوبات بهما، وتمنوا لهما الإعدام كعقوبة على قذارة ووحشية ما أقدما عليه من أفعال شنيعة، ولكن كانت صدمة عدد كبير منهم بعد علمهم أن القاصر يحكمه قانون مخفف، والعقوبة ستكون عددا من سنوات السجن في المراكز الإصلاحية، وبعض التدابير الاحترازية، وثارت تساؤلات الشارع بقوة كيف يمكن الرأفة بالجانيين، لأنهما في سن صغيرة، مع أنهما ارتكبا فعلا يوازي بخطورته خطورة أي مجرم خطير، وهل ستصلح عقوبتهما البسيطة نفسيهما؟.
سيد أفعاله
لقد كثرت مؤخراً في مجتمعنا مظاهر الفوضى والانحلال الأخلاقي وخرق القوانين وخاصة لدى المراهقين، بفعل عوامل عديدة، أصبح الكل يعلمها، وعلى الجميع التعاون لإيقاف هذه الظواهر الخطيرة والقاتلة للفرد والمجتمع وفقاً لما أكدته المحامية دولت ابراهيم والتي رأت أن مجتمعنا يدفع ثمن عدوان قوى الصهيونية والامبريالية عليه وسعيها الدائم لتفكيكه وقلبه نحو الفوضى والتخلف المستمر، واليوم يحصدون أفضل النتائج بعد تدميرهم منظومات الأخلاق العربية والآداب والرقي العلمي، ونشر أفكار بعيدة كل البعد عن الشيء الذي تربينا عليه، واستبدلوا موروثنا ببدائل لا تمت للإنسانية ولا التاريخ بشيء.
مسؤولية من؟
وتحمّل المحامية إبراهيم، الأهل والمؤسسات الدينية والاجتماعية، المسؤولية الكبرى، كونهم مقصرين في إعداد جيل صلب في وجه ما نعانيه من ترد وقصور في تثقيف الشاب والفتاة، وتعليمهم مبادئ التعامل الخير مع كل المحيطين بهم، وتابعت لتقول: صحيح أن الجريمة بشعة وراح ضحيتها طفلة ولابد من عقوبة رادعة ليتعظ كل أبناء الجيل ويتذكروا وجود القانون وعقوباته الرادعة، ولكن ليس بتطبيق عقوبة الإعدام، فمهما قلنا فإن الجانيين حدثان صغيران سواء من الناحية القانونية أو العلمية، وما تم اقترافه يعبر بالدرجة الأولى عن الكم الهائل من الانحطاط الأخلاقي، والكم الهائل من الإهمال من قبل الأهل الذين خرجوا للمجتمع أبناء من هذا النوع، وتؤكد إبراهيم أن القوانين يجب أن تتصف بالمرونة ومسايرة الأوضاع الراهنة وكل الحالات الخاصة، ومن وجهة نظرها كان أولى بالقانون أن يحدد الحدث في المسائل الجنائية والتي لا تحوي معاملات مدنية بعمر الـ ١٤ كحد أعلى، وذلك تماشياً مع ما نعيشه اليوم، وسنشاهد وضعاً أكثر انضباطاً، ففي مجتمعنا الشاب بعمر ١٦ سيد نفسه، وتصرفاته، وأفعاله تنم عن أفعال رجل، وهو لايقيم في الغالب وزناً لأحد، فهل من المعقول بعد هذا كله أن يتصرف هذا الشاب وفقاً لما يحلو له تحت ستار أنه حدث صغير طائش لايعرف نتيجة تصرفاته فإذا كان لا يحمل الوعي الكافي فكيف تمكن من الاغتصاب والقتل بل ودفن الجثة وإخفاء آثار الجريمة..؟ وإذا كان قد خطط لذلك مسبقاً فهو شخص خطير لديه إصرار وترصد، وإذا لم يفكر فإن انفعالاته اللحظية تصل لحدود مرعبة ومخيفة جداً، ويجب علينا بالنهاية إيقاف موجة الفلتان من خلال إنزال العقاب الرادع دون شفقة أو رحمة، أو على الأقل إعطاء المجال للقاضي ليتمكن من تطبيق حد أعلى للعقوبة بغض النظر عن العمر الذي هو في طور الأحداث.
ومع ذلك كله، تذكر ابراهيم بأن الأخطر هو إهمال الأهل سواء أكانوا أهل الجاني أم المجني عليهم والذين يتوجب عليهم تولي رقابة أطفالهم في كل وقت، وعدم ترك الحبل لهم على هواهم في الخروج من المنزل والتردد إلى أي مكان واستخدام النت والموبايل بشكل عبثي حتى لا يقعوا في الندم مستقبلاً.
مع التخفيف ولكن المراكز!!
إن المسؤولية الجزائية في القانون السوري تحتاج إلى إدراك، وحرية الاختيار، والقاصر هو صغير السن، والصغير كما نعلم يولد فاقداً للإدراك، إلا أن عقله يبدأ في النمو تدريجياً حتى يصل إلى مرحلة الإدراك التام، والإدراك التام في القانون السوري، وفي أغلب القوانين الوضعية يبدأ في الثامنة عشر من العمر وفقاً لما أكده المحامي عادل دواي، والأحداث ينقسمون إلى فئتين الحدث الذي لم يتم العاشرة فهذا لا يسأل جزائياً، ولا يستحق أية عقوبة، بينما الحدث الذي أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشر من عمره لا يسأل جزائياً ولكن العقوبة تكون بفرض تدابير إصلاحية بحقه، إلا أن المشرع استثنى من هذا الحكم الحدث الذي أتم الخامسة عشر من عمره وكانت جريمته جناية، وهذا ما حصل في جريمة الطفلة سيدرا، فهؤلاء يعاقبون عقوبات جزائية، إلا أنها تكون مخففة، ويتابع دواي: برأيي القانون قد أصاب عندما وضع هذا الاستثناء، لكن بالمقابل يثور هنا التساؤل العميق: هل مراكز ومعاهد الإصلاح جديرة بإعادة تأهيل هذا الحدث، وردعه مستقبلاً عن ارتكاب أفعال بشعة كجريمة الطفلة سيدرا، وهل هي فعلاً قادرة على إعادة تقويم هذا الحدث نفسياً، وأخلاقياً؟.
العبرة للعمر والأسلوب
طالما أن لكل فعل رد فعل يساويه في القوة، ويعاكسه في الاتجاه، وكذا الجرم له سبب، والمجرم له دافع لارتكاب جرمه، وهنا نسقط تلك المقدمة على الجريمة، موضوع هذه المقالة، بأن ذلك القاصر لم يولد مجرما بالفطره بل هناك عوامل، وظروف دفعت به لارتكاب فعله الآثم، وأنا هنا لست بمعرض تبرير ذلك الفعل بحال من الأحوال، يقول المحامي معاذ عجلوني، بل يجب أن نتناول تلك الظاهرة بكل جوانبها، والغوص لاكتشاف كل جذورها، فجزء كبير من المسؤولية في وقوع مثل هذه الجريمة الشائنة يقع على تلك الجهات التي تتساهل، وتتغاضى، عما يعرض على الفضائيات، ومواقع الانترنت الإباحية التي تعتبر المحرض الأساس، والأهم لارتكاب الجرائم الجنسية، ووفقاً للقانون فإن عقوبة المحرض على الجريمة تساوي عقوبة الفاعل في الجنايات، و أخيراً يجب لحظ الدور التهذيبي لمراكز إصلاح الأحداث الجانحين ليؤدي الدور المنوط به بإعادة تقويم سلوك هذا القاصر، وجعله عنصرا “اجتماعيا” مفيدا “وسويا” في المجتمع، وذلك كله يتحقق عند الفصل الصحيح بين الأحداث بما يتناسب والجرائم المرتكبة من قبلهم، فمن غير المنطقي أن يجتمع الحدث المرتكب جرم القتل مع حدث مرتكب لجنحة بسيطة كحادث سير، إضافة إلى إلزام هذه المراكز بمنهج تربوي تقويمي، والاهتمام بالتعليم المهني بما يؤهل القاصر لممارسة دوره المجتمعي المنتج في المستقبل، ويرى عجلوني أن القانون بحاجة إلى تعديل بعض مواده، ويجب أيضاً التركيز على الحدث الذي تجاوز عمره الخامسة عشر، وكانت أدواته، و ظروف جريمته، ونيته بارتكابه للجرم تدل على خطورة جرميه لا تصدر عادة عن قاصر، وعدم التساهل في عقوبته، وحسناً فعل المشرع السوري حين ألغى العقوبة الجزائية عن مرتكب جرم الاغتصاب في حال تزوج الضحية والذي طالما كان وسيلة للتحايل على القانون والتهرب من العقوبة.
خطر محدق
سواء كنا مع تعديل القانون ليكون أكثر قسوة بحق الأحداث الجانحين الخطرين الذين بدأوا بالظهور بجرائم وحشية خلال الأزمة، أم كنا ضد التعديل، فعلينا أن نعلم أن القاصر لا يخضع للسجن في كل دول العالم بحسب الباحث الاجتماعي نبيل سليمان، وإنما يخضع القاصر للإصلاح في المراكز الإصلاحية كونه يعتبر ضحية للمجتمع بعمره الصغير، وإدراكه المحدود، وكما يعلم الجميع أن معظم هذه المراكز تفتقر لمقومات التربية، والإصلاح للحدث الجاني، وهذا سيشكل أمراً خطيراً دفعنا وسندفع ثمنه أكثر بعد تخرج الحدث الجانح منها بمرتبة مغتصب، أو سارق، أو قاتل محترف!!
بشار المحمد