الهايكو السينمائي مازال مقيداً
“أليس.. أنا ذاهب إلى الحرب” الجملة التي قالها جون لزوجته أليس في فيلم “سولدر بوي-الجندي الصغير” الذي عُدّ أقصر فيلم في التاريخ السينمائي ودخل موسوعة غينيس لتحقيقه المواصفات العالمية، بتوقيع وتأليف المخرج الأمريكي ليز شولز، ولم تتجاوز مدته سبع ثوان، إذ اختزل المخرج شولز عبْر ثلاث لقطات فقط أهوال الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها النفسية والاجتماعية.
يبدأ الفيلم من داخل المنزل بلقطة تعبّر عن الحياة الروتينية اليومية، أليس جالسة تطالع كتاباً في اللحظة التي يدخل فيها جوني منفعلاً ويخبرها بجملة واحدة أنه ذاهب إلى الحرب. ينتقل المخرج مباشرة إلى اللقطة الثانية من موقع المعركة بمشهد يجمع بين جون وجندي آخر يطلقان الرصاص من البندقية، ثم يدوي صوت انفجار في اللحظة ذاتها يمرّر المخرج من خلف الجنديين أحد الجنود المارين حاملاً البندقية ويمضي بخطا سريعة إيحاءً بسير المعركة، لتحمل اللقطة الثالثة لحظة الإدهاش بتوقف الحافلة أمام أليس التي بدت عليها تغييرات واضحة إشارة إلى مرور السنوات وانتهاء الحرب، فتصرخ حينما ينزل جوني ويرمي حقيبته على الأرض فرحاً بعودته إلى أليس وإلى الحياة الطبيعية الهادئة.
وقد نقل المخرج عبْر اللقطات الثلاث صورة عن زمن الحرب من حيث الديكور الخاص بالمنزل إلى بزة الجنود العسكرية والبنادق إلى الحافلة، واعتمد على إضاءة متقاربة تدلّ على مسار واحد للأحداث، إضافة إلى المؤثرات الصوتية واختيار الأماكن، ولاسيما في مشهد المعركة وتموضع الجنديين فوق المتراس. ينتمي فيلم “الجندي الصغير” إلى تصنيف الفيلم القصير جداً الذي انتشر في دول العالم منذ منتصف القرن الماضي تقريباً، وتتراوح مدته من دقيقة إلى أربع دقائق، ويكون أكثر تكثيفاً من الأفلام القصيرة التي لا تتجاوز عشرين دقيقة أو المتوسطة التي مدتها أقل من ساعة.
وثمّة تقارب بين الفيلم القصير جداً والقصة القصيرة جداً “ق.ق.ج” التي انتشرت باسم الهايكو من حيث الاختزال والفكرة الومضة وعنصر الإدهاش بالقفلة.
التقارب بين الهايكو السينمائي والهايكو الأدبي، ينسحب على واقعهما أيضاً، فالقصة القصيرة جداً مازالت موضع إشكالية وجدل كنوع جديد من الأدب يسعى إلى الانتشار والحضور بالمشهد الأدبي، وكذلك الفيلم القصير جداً مازال مقيداً بالعرض في مهرجانات دولية وموسمية، وبعد المشاركة في المهرجانات تُعرض الأفلام على منصات الانترنت وتحقّق انتشاراً وفق عدد المشاهدات التي تصل إلى مئات الآلاف لبعض الأفلام، لكن بعض المخرجين لا يجدون فرصة للمشاركة بالمهرجانات، فيتجاوزونها ويعرضون أفلامهم على الانترنت، وهناك عدد من الأفلام لا تُعرض على الانترنت، ولا تحظى بفرصة عرض داخلية أو خارجية رغم وجود شريحة كبيرة من متابعي الأفلام القصيرة والأفلام القصيرة جداً، التي تواجه صعوبات بالإنتاج والتسويق والعرض. فلماذا لا تخرج هذه الأفلام من دائرة المهرجانات والانترنت وتُعرض في دور السينما أسوة بالأفلام الروائية الطويلة، أو تتمّ إتاحة عرض جميع الأفلام على الانترنت دون انتظار المشاركة في المهرجانات، لأن الكثير من الأفلام تبقى أسيرة الانتظار وتُهمل.
وإذا عدنا إلى تجربة السينما السورية التي قرّبت بين الجمهور وسمات الأفلام القصيرة من خلال مشروع منح الشباب والأفلام الاحترافية القصيرة، سنجد أن فرصة العرض مازالت قيد المشاركة والانتظار، مع بعض المحاولات من قبل الفعاليات السينمائية التي تعرض عدداً من هذه الأفلام ولاسيما التي حصلت على جوائز.
ملده شويكاني