صرخة حق لنحو 100 ألف من ملائكة الرحمة.. هذه قصة كفاءات كلفت المليارات..!
قسيم دحدل
نحو 100 ألف عضو من ملائكة الرحمة السوريين، مرَّ عيدهم (يوم التمريض العربي، الذي يصادف الـ 28 تموز من كل عام)، وكم من المعاناة لا تزال أوجاعها، ترخي بأثقالها على العاملين في هذا القطاع، دون أن يتنبّه أو يحسّ أحد من المعنيين بخطورة الأحوال الصحية والمادية والتنظيمية، إضافة لطبيعة عملهم، التي من المفترض أن تكون أولوية من أصحاب القرار، وخاصة في ظل الظروف الحالية التي فرضتها جائحة كورونا على قطاعنا الصحي عامة والتمريضي خاصة، حيث جعلت منهم (ومثلما كانوا خلال التسع سنوات من الحرب الإرهابية..)، جيشاً صحياً بكل ما لكلمة جيش من معنى.
في معمعة الحرب الصحية التي يخوضونها ضد الجائحة كخط دفاع أول، من الواجب على أصحاب القرار عدم إدارة الظهر لهم، بل إن عليهم منحهم ما يستحقونه دون إبطاء أو تلكؤ غير مفهوم، علماً أن مراسيم وقرارات صدرت، أنصفتهم وأنصفت حقوقهم المشروعة، لكن على ما يبدو أن المسؤولين يتعاطون معها على أنها “استثناءات”، في وقت لا يخفى على عاقل أنها حتى وإن كانت ما سلف، يجب أن تكون أولويات.
تمييز وتهميش!!
صرختهم وصلت تناشد “البعث” إيصال صوتهم الذي بُحَّ، لبيان كم الظلم الذي يحيق بالعاملين، بدءاً من المخاطر الصحية المتربصة بهم كل لحظة، ومتطلبات الحماية من تلك المخاطر، وظروف العمل، وليس انتهاء بالحقوق المتعامى عنها من قبل أصحاب القرار!.
ملائكة الرحمة من ممرضات وممرضين، يعتبرون أن ظلماً وقع عليهم، بسبب التمييز بينهم وبين أقرانهم من المخدرين والمعالجين الفيزيائيين وأطباء التخدير والمعالجة والطوارئ والصيادلة، وذلك بعد أن تمّ منح هؤلاء جميعاً حوافز وطبيعة عمل تتراوح بين75%-100% شهرياً، بينما استُبعدوا هم، ما دعاهم للتساؤل: لماذا تمّ استثناؤهم؟، إلى الحدّ الذي أوصلهم للشعور بالدونية رغم أهمية وكبر الدور والمسؤولية التي لا تقلّ عن أقرانهم في القطاع الصحي، ما انعكس على معنوياتهم، وهذا يطرح السؤال المحق: هل الممرضة والممرض من الدرجة العاشرة؟، ولماذا التمييز بين مكونات العمل الواحد، وعدم تفعيل نقابة التمريض؟!.
معاناة وقرارات!
ما لاقاه “ملائكتنا”، وفقاً لتأكيداتهم، دفعهم لقرارات لا يريدونها، فمنهم من ترك العمل بعد تقديم استقالته، ومنهم من بدأ البحث عن أعمال أخرى أو السفر، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى نقصٍ في هذا الكادر المهمّ، والسبب عدم وجود الجهة التي تدافع عنهم وعن حقوقهم!. وهنا يتساءل هذا الكادر المهمّش عن سبب عدم تفعيل دور نقابة التمريض، على الرغم من صدور مرسوم رئاسي بهذا الشأن (مرسوم رقم 38 لعام 2012 القاضي بإحداث نقابة التمريض)، والذي لغاية الآن لم يتمّ انتخاب نقيب للنقابة، كما لم يتمّ إقرار النظامين المالي والداخلي، حيث المجلس المؤقت أكد في نهاية الشهر السادس أن النظام الداخلي سيكون جاهزاً، وهو ما جاء على لسان أحد فروعه المؤقتة! والسؤال المعطوف على ما سبق: هل يحتاج مرسوم رئاسي لكل تلك السنوات (ثماني سنوات) كي يطبق، ولم يطبق بعد؟!!.
والشيء الآخر أيضاً يتعلّق بصدور قانون الأعمال المجهدة، والذي يقولون: إنه تمّ إيقافه ولا يطبق على الجميع!، بل تمّ حصره بأقسام العمليات والعناية والإسعاف!، حيث تمّ إيقاف تطبيق المرسوم في وزارة الصحة، بينما في وزارة التعليم العالي لا يزال مطبقاً، والسؤال: هل يعقل أن يطبق قانون صادر عن مقام الرئاسة حسب الأمزجة؟!
وكذلك المكافأة الصادرة عن مجلس الوزراء، يؤكد أصحاب الصرخة أنها لم تشمل كل الممرضين المناوبين أثناء أزمة الكورونا، وحتى الذين شملهم القرار تمّ التمييز بينهم حسب الواسطة ورغبة كل مدير، وعليه يتساءلون: لماذا لا يكون القرار واضحاً وشفافاً؟.
كما يتساءلون: لماذا لا تشمل مسابقة وزارة الصحة التي أُعلن عنها، خريجي كليات التمريض ومدارس التمريض غير الملزمة، سؤال يطرحونه على وزارة الصحة؟؛ وكذلك لماذا لا يوجد توصيف وظيفي واضح لمهنة التمريض؟، ولماذا لا تُعطى الشهادات بعد انتهاء مدة الالتزام؟!.
ويتّهم ملائكة الرحمة أن ما يحدث هو حالة من الترهل الإداري وعدم الإحساس بالمسؤولية في تنفيذ القرارات والمراسيم التي ساوت بين الجميع، حيث إن التطبيق أدى إلى التمييز!، الأمر الذي أوصل الكادر التمريضي إلى فقدان الأمل بالوصول إلى حقوقه المشروعة، فهل تقوم وزارتا الصحة والمالية باستدراك الأخطاء وتطبيق القوانين بشكل يساوي بين الجميع دون استثناء؟!.. سؤال يريدون معرفته.
حتى هذه نهدرها!
تساؤلات نقف كما وقف أصحابها، في حيرة مما يتمّ، إذ لا يعقل وبلدنا يتألم ويعاني، وهو بأمسّ الحاجة لكل يد خبيرة مدرّبة صحياً وطبياً وتمريضياً، تبلسم أوجاعه، تكلفت الدولة على تلك الأيادي والعقول والكوادر مليارات الليرات، أن تهدر تلك الطاقات الصحية بإهدار ما لها لتؤدي ما عليها!!.
فهل يعقل ألا يتمّ توظيف جميع الخريجين، وخاصة من الفروع غير الملتزمة، وهي: كليات التمريض والعلوم الصحية والمعاهد الصحية والطبية ومدارس التمريض، حيث إن بعض الخريجين ينتظرون منذ أكثر من 15 سنة المسابقة والوظيفة، ولماذا لا يتمّ رفع طبيعة العمل وإعطاء الحوافز والمكافآت، أسوة بالمخدرين والمعالجين وأطباء الطوارئ والتخدير وأطباء المعالجة والصيادلة، وبالغير من القطاعات الأخرى، ووضع مهنة التمريض ضمن المهن الخطرة، وتفعيل هذا الموضوع، وتطبيق قانون الأعمال المجهدة لعام ٢٠٠٦، والشامل لكل تمريض المشافي الذي أوقف العمل به، وكذلك فتح مجال التقاعد على 25 سنة خدمة؟!.
ولماذا لا يتحقّق التوصيف الوظيفي، وتحديد مهاﻡ وواجبات الممرض ضمن أطر وجداول، كلّ في قسمه وعمله، وتعديل وضع الدارسين بعد التوظيف بتعديل فئتهم وعملهم، وإيجاد نقابة فاعلة تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وانتخاب نقيب للتمريض، وإقرار الأنظمة الداخلية والمالية التي تحفظ لملائكة الرحمة كرامتهم وحقوقهم، مع وجود نقيب للتمريض كفؤ يعمل على الأرض، ويجوب المشافي بحثاً عن مشكلات التمريض وحلها؟.
كلمة حق
من المعروف أن مهنة التمريض لا تقلّ أهمية عن باقي المهن التابعة للقطاع الصحي، حيث أثبت الممرضون جدارتهم وكفاءتهم واندفاعهم وحماسهم بتأدية عملهم الإنساني، وبرهن السواد الأعظم منهم أنهم ملائكة الأرض والسماء بحق، ولاسيما في هذه المرحلة التي نعاني فيها من جائحة كورونا، في وقت لم يقتصر قيامهم بواجبهم على هذه الظروف الاستثنائية وحسب، بل كانوا في ميادين العمل عندما تعرّض المواطن للإرهاب.
قد يقول قائل: إن واجبهم وطبيعة عملهم يتطلبان ذلك، وهناك من ينكر عليهم حقوقهم، لذلك نقول: بما أن تلك الطبيعة من العمل تحتاج لكل تلك الجهود، ومواجهة الأخطار، فمن الضروري إنصافهم كي يستمروا باندفاعهم وحماسهم وحبهم للعمل، وهذا لسان حال الكادر التمريضي في المشافي العامة، الذين يعتبرون أن ظلماً وقع عليهم بسبب التمييز واللاعدالة!.
Qassim1965@gmail.com