كورونا مستمر في حصد أرواح الأطباء.. ووزارة الصحة في مرمى النقد لجهة التقصير!
وفاة عدد لابأس به من الأطباء السوريين بفيروس كورونا أثار الرعب بين الناس، والبعض استغرب الأمر، على اعتبار أن الطاقم الطبي أكثر من غيره حرصاً ودراية، ولكن مع ذلك التقطوا الفيروس وتمكّن منهم، فكيف بالناس العاديين؟!
بشهادة الكثير من الأطباء والممرضين، يعمل الطاقم الطبي في مرافقنا الصحية في ظروف صعبة جداً أرهقت كاهله، وجعلته ضعيفاً أمام كورونا، فمنذ انتشار الفيروس لقي أكثر من 20 طبيباً سورياً حتفهم، الأمر الذي رسم أكثر من إشارة استفهام أمام هذا العدد المرعب؟!
لا غرابة في الأمر!
الطبيب الدكتور علي الكوسا لم يستغرب أن يصاب الأطباء بفيروس كورونا، والذي أدى لوفاة عدد منهم “المرض لا يرحم أحداً”، ويضيف: من الملاحظ أن قسماً لابأس به من الأطباء المتوفين يعملون في عياداتهم الخاصة أو في مشاف خاصة، وهنا ربما يعود سبب الوفاة لقلة أخذ الاحتياطات من قبلهم ومن المرضى، أو من توفي في المشافي الحكومية، فهذا ربما يعود لكثرة المرضى واستهتارهم ومرافقيهم بطرق الوقاية، فأحياناً كثيرة تأتي العدوى للطبيب من طواقم التمريض والتنظيف، لذا مهما أخذ الطبيب من احتياطات قد يتعرّض للعدوى ومن ثم الوفاة إن كانت مناعته ضعيفة.
بين التقصير والضعف!
حول الاتهامات الموجهة لوزارة الصحة بخصوص عدم تأمين الحماية للكادر الطبي لجهة تهاونها في تأمين شروط الحماية له – كما يدعي بعض الأطباء – بيّن الدكتور كوسا أنه يجب أن نفرق بين التقصير وضعف الإمكانات المتوفرة، مؤكداً أن الوزارة عملت كل ما هو مطلوب منها من حيث توعية المواطنين وتحذيرهم من مخاطر المرض، وتأمين مستلزمات العلاج وفق الإمكانيات المتاحة، وتركت الأمر لوعي المواطن ومدى التزامه، أما فيما يتعلق بتأمين اللباس الواقي، فهي بالتأكيد لا تستطيع أن تؤمنه لأكثر من 10000 طبيب مع باقي الكادر الطبي، فهو مكلف عدا عن أنه يستخدم لمرة واحدة.
ولفت الدكتور كوسا لأمر هام يتعلق بالحجر الصحي “كان الأفضل لو تم إقامة مشفى خارج المدينة للحجر الصحي بدلاً من تخصيص مشاف كبرى كمشفى الأسد الجامعي بدمشق، وغيره”، موضحاً: مع تزايد انتشار المرض فقدنا خدمات هذا المشفى وغيره، لذا كان من الأفضل لو تم الحجر خارج المشافي التخصصية لتركها تعمل براحتها، وقالها كوسا بكل صراحة: “للأسف الهم المعيشي للمواطن تغلّب على همه بالوقاية من المرض في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة”، ففي الوقت الذي يطلب من المواطن تحقيق التباعد، والحرص على وضع الكمامة والتعقيم، لا نوفر له في الجانب الآخر إمكانية الحصول على متطلباته اليومية بشكل مريح يحقق له الوقاية، والأمثلة كثيرة على ذلك: “زحمة الأفران، والمؤسسات الاستهلاكية، وباصات النقل الداخلي، وغيرها من المظاهر الأخرى،
وأكد كوسا أن الوقاية من كورونا مسؤولية جماعية، قوامها الوعي والحذر، مع العمل على تأمين متطلبات وحاجات المواطن بشكل مريح يساعد في تطبيق الإجراءات الاحترازية!.
تهاون كبير!
الطبيب الدكتور هاشم صقر كتب على صفحته الشخصية: “هناك تهاون كبير في حماية موظفي الخدمات الصحية في مشافينا ومرافقنا الصحية”، مشيراً إلى أن ذلك كان سبباً في حالات الإصابة والوفيات في صفوف الأطباء والكادر التمريضي وعمال الخدمات، وأعرب الدكتور صقر عن قلقه من “تصدع” النظام الصحي – حسب تعبيره – إذا ما استمرت هذه الإصابات التي قد تؤدي إلى حدوث كارثة صحية تصيب الوطن كله (لا سمح الله) في حال استمرار اللامبالاة والتجاهل حيال الطواقم الطبية، وحمّل “صقر” الجهات الصحية المسؤولية الكاملة عن ذلك لجهة ازدياد حالات الإصابة والوفيات بين الأطباء نتيجة هذا التهاون غير المبرر في عدم تحسين شروط حمايتهم، ودعا “صقر” الجهات التنفيذية والتشريعية والرقابية للقيام بدورها للمساهمة الفعالة في حماية الطواقم الطبية من خلال تأمين ملابس واقية لجميع الأطباء والعاملين، وتدريبهم للتعامل مع المصابين بالفيروس، وإجراء فحوص لمن تظهر عليهم عوارض المرض، أو الذين خالطوا مصابين، وأضاف: وزارة الصحة عليها التزام كبير تجاه الأطباء، وخاصة الأطباء الذين يضحون بحياتهم في الخطوط الأمامية للدفاع عن سلامة الوطن، ومن الضروري تزويدهم بالحماية اللازمة، والتدخل الطبي السريع لمن يصابون بالمرض.
نوع من اللامبالاة!
ممرضة في أحد مشافي اللاذقية أعربت هي الأخرى عن أسفها من اللامبالاة التي يتعامل بها الشارع السوري مع إجراءات الحماية من كورونا، وأوضحت أنه مع بداية انتشار المرض في سورية كانت لدينا فرصة للتحضير لمواجهته بشكل قوي، ولكن للأسف أخذنا الأمور بنوع من اللامبالاة بإصدار جملة قرارات، واتخاذ إجراءات بقي بعضها حبراً على ورق!.
وأضافت: كل ما فعلناه هو نشر ووضع ملصقات لناس أغلبها لا تقرأ، بل على العكس هناك من قلل من أهمية إجراءات الفريق الحكومي ولم يعطها أية قيمة!.
وأشارت إلى أن بعض المشافي لا تطبق شروط السلامة، فمن يقم بجولة على بعض المشافي التي تستقبل مرضى كورونا ير البعض يلبس كمامة والآخر لا، بمعنى أن الكثيرين ليست عندهم ثقافة طبية لأهمية الكمامة وكيفية التعامل معها، رغم كل التعليمات الصادرة بهذا الخصوص، حتى إن بعض الأطباء ليست لديهم ثقافة غسل الأيدي بعد فحص المرضى أو تبديل الكف الطبي!
وأضافت: هناك قرار بمنع الزيارة، وإلزام المرافق باللباس الواقي، “للأسف هذا القرار ظل حبراً على ورق، فاللباس الواقي “يا دوب” متوفر للفريق الطبي، فكيف سيتم تأمينها للمرافقين، وبرأيها أن وجود شعبة عزل بالمشافي المركزية كان لها أثر سلبي ساهم في نشر الوباء، وتوضيحاً لذلك “عندما يقوم الطبيب أو الممرض بفتح ملف للمريض يخرج الملف مع الممرض المخالط إلى صيدلية المشفى وأماكن أخرى يقصدها العشرات من الطاقم الطبي والمراجعين دون تعقيم الملف، وهذا غالباً ما يكون سبباً في انتشار المرض”!.
الاختلاطات الدوائية
برأي الممرضة ميسون سليمان، السبب الأول في وفاة الأطباء بفيروس كورونا يعود للتخبط بالعلاج الذي يؤدي لاختلاطات تؤدي للوفاة، وخاصة عند ضعيفي المناعة ممن يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والضغط ومشاكل في القلب، وطالبت سليمان بضرورة تغيير طرق التعامل مع مرضى كورونا، من خلال تشكيل لجنة من كبار الأطباء لمناقشة ووضع نهج معين بالتعامل مع المرضى بالأدوية لتحقيق العلاج المطلوب، وأكدت على أهمية العامل النفسي في علاج المرض وعدم الإصابة به، مطالبة وزارة الصحة بالعمل على دعم الطاقم الطبي ورفع معنوياته وشحذ طاقاته..
بالمختصر، يتزايد خطر الإصابة بفيروس كورونا الذي لا يفرّق بين طبيب أو إنسان عادي، وحده الوعي والالتزام بتطبيق إجراءات الوقاية يمكن أن يوقف خطورته، مع أمنياتنا بالسلامة والحماية للكوادر الطبية في مشافينا “الجيش الأبيض”، ولكل المواطنين.
غسان فطوم