الحلول لا تأتي على طبق من ذهب وإنما بالبحث العلمي الجاد
حالة من الترقب والتفاؤل يعيشها الشارع السوري بانتظار ولادة الحكومة الجديدة التي يعوّل عليها الكثير في إيجاد الحلول الممكنة لتجاوز مطبات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بكل تفاصيل حياتنا.
إن أكثر ما نحن بحاجة إليه في المرحلة المقبلة هو منهاج عمل غير مكرّر، بل متجانس ومحبوك على مختلف الصعد، بحيث يتضمن مجموعة أولويات يتمّ العمل عليها في وقت واحد عبر مجموعات أو فرق تتنافس فيما بينها لتقديم الأفضل، فعلى مدار العقود الماضية التي تعاقبت فيها حكومات كثيرة لم تعتمد على استراتيجية عمل ذات برامج محدّدة، والدليل تعثر جميع البرامج الحكومية المعلنة مع بداية عهد كل حكومة، والتي كانت تزيّن لنا الواقع بوعود ذهب أغلبها إن لم نقل كلها أدراج الرياح!!.
هو المنقذ
صحيح أن كل الأمور أولويات في المرحلة القادمة، لكن يبقى البحث العلمي هو الأهم برأي العديد من أهل الشأن، ويعتبرونه المنقذ الأهم إذا ما أردنا أن نؤسّس لنهضة تنموية على مختلف الصعد، بمعنى تقديم رؤية واضحة عن المستقبل تساهم في نمو المجتمع اقتصادياً، وفي حلّ المشكلات والعقبات في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والصحية.. وغيرها.
على الرفوف؟
أساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا في عيونهم دمعة وفي قلوبهم غصة وهم يرون عشرات بل مئات الأبحاث العلمية المميزة على رفوف المكتبات، علماً أن فيها حلولاً لغالبية مشكلاتنا وفي مختلف المجالات (بالفعل مزمار الحي لا يطرب!)، وبرأيهم فإن فشل البرامج والخطط الحكومية على مدار سنوات عديدة خلت هو بسبب تهميش البحث العلمي ومن يعملون فيه!.
الدكتور سامر المصطفى طالب بإعطاء البحث العلمي حقه بالدعم المادي والمعنوي، مشيراً إلى أن الموازنة المخصّصة حالياً لدعم البحث العلمي لا تكفي أجرة تفكير الباحث “للأسف الجهات البحثية هي جهات شكلية، أي غير جادة، هي تريد البحث العلمي ببلاش”!
وبيّن المصطفى أن أدوات البحث العلمي غير جاهزة في المراكز البحثية والجهات الطالبة للبحث، خاصة ما يتعلق بالبيانات والأرقام، فهي غير متوفرة، عدا عن أن آليات العمل غير مشجعة، منتقداً تعميم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكليات الاقتصاد بهدف تقديم آراء وأفكار لدعم الاقتصاد من خلال البحث العلمي، معتبراً أن هذه الآلية بالتعامل مع البحث العلمي غير مجدية، معرباً عن أمله في أن يكون برنامج الحكومة القادمة داعماً للبحث العلمي ومن يعملون فيه.
يحدث ذلك في عزّ حاجتنا للدراسات والبحوث المعتمدة على أرقام ومعطيات واقعية من دون تجميل، بهدف تشخيص الواقع على حقيقته للكثير من المشكلات التي ازدادت واستفحلت خلال السنوات التسع الأخيرة التي شهدنا فيها قرارات “تجريبية” واجتهادات آن أن تذهب مع أصحابها إلى غير رجعة.
لم تعد تجدي نفعاً!
طلبة ماجستير التأهيل والتخصّص في تأهيل وإعداد القادة الإداريين يرون أن شماعة ظروف الحرب والعقوبات لم تعد تجدي نفعاً، “صحيح أن الإمكانات محدودة ولكن الإدارة الناجحة والإرادة القوية عندما تتوفر في السلطة التنفيذية، يمكن أن تبدع الحلول الناجعة، لذلك يريد المواطن أن تتغيّر الصورة النمطية لمجلس الشعب والأداء الكلاسيكي المجتر لعمل الحكومة التي أعمت أبصارنا بجولاتها الاستعراضية مكتفية بالإشارة إلى مرارة الواقع دون إيجاد الحلول، لذا ليس مستغرباً أن تتراكم المشكلات ويُستعصى حلها”!.
ثقافة التفكير الذاتي
ويسأل طالب جامعي في بحث أعدّه لنيل درجة الماجستير في الإدارة: لماذا لا نعزّز في عمل وزاراتنا وجميع مؤسساتنا ثقافة التفكير النقدي للذات والمجتمع، من أجل أن نضع النقاط على الحروف؟.
ليس مقبولاً أن يتصرف أصحاب الشأن بالوضع الحالي الضاغط على أنفاس المواطن و”كأن على رؤوسهم الطير”، الأمر بحاجة لوضع أولويات وركائز لحمل وتقويم أي خطة وإيصالها للنجاح، تلك الحوامل من المفروض أن تكون الشغل الشاغل ليس استعراضاً وإنما تجسيدها فعلاً وعملاً على الأرض.
يا أصحاب “السعادة والمعالي”: حلول المشكلات وتجاوز الصعوبات والأشياء الجميلة والحلوة التي ينتظرها المواطن لا تأتي على طبق من ذهب!، وإنما بالبحث الجاد عن أسباب المشكلة وتشخيصها من كل الجوانب، من أجل كشف الداء ووصف الدواء المناسب، لقد تعثرنا كثيراً وفشلنا بما فيه الكفاية في وضع السياسات المالية والاقتصادية التي تجنّبنا الوقوع في وحل المستنقع، نتيجة العشوائية في القرارات والتخبّط في إدارة الملفات البعيدة كل البعد عن أصول البحث العلمي والدراسات.
مرحلة “الأمل” -إ ن صح وصفها – كلنا بانتظارها.. كلنا نترقبها.. فالشعب الصامد من حقه أن يقطف ثمار صموده خيراً يعمّ الوطن، نحن بغنى عن أزمات جديدة ذات تداعيات خطرة، كفانا اتخاذ إجراءات مستعجلة لحلّ المشكلة، المطلوب وضع خطط استباقية ووقائية لإدارة الأزمات بكل أنواعها والتخفيف من حدّتها، و”فشل” التعامل مع جائحة كورونا خير مثال، فلماذا لا نتعلم الدرس؟!.
كوادرنا الوطنية في كل القطاعات لديها المهارة وقادرة على الإبداع، فقط تحتاج إلى بيئة عمل قوامها بالدرجة الأولى إدارة مبدعة ناجحة متحمّسة للصالح العام عبر تنسيق كافة الجهود بين مجمل مكونات وآليات العمل التي تحتاج “لشد براغي” لتكون قادرة على حمل ثقل متطلبات المرحلة ومواجهة كل تداعياتها.
غسان فطوم