تحدي تعلّم اللغة الأجنبية بين مطرقة الأسعار وسندان الحاجة
بات تحدي تعلّم لغة أجنبية الهاجس الأكبر للكثير من الشباب السوري، وحتى في كثير من الأحيان مقدماً على نيل الشهادة الجامعية، نظراً لأن غالبية أرباب العمل يشترطونها أولاً للتوظيف والعمل، ما انعكس بالنتيجة على سوق تعلّم اللغة الذي بات رائجاً وبقوة، فانتشر بالتالي “معاهد خاصة وعامة، ودروساً خصوصية منزلية”، إلا أنه وفي ظل الحرب المفروضة على سورية منذ سنوات، وخروج معاهد دولية من السوق السورية بحكم العقوبات، أصبح التنافس كبيراً بين الأدوات المحلية لكسب أكبر عدد من الدارسين، سواء من خلال أسعار الدورات والتنافس على تقديم عروض مادية مغرية لاقتناص الطلاب، أو من بوابة المناهج التي تدرّس في الدورات.
يقول محمد، وهو طالب في كلية الآداب، إن الأولوية لديه حالياً هي تعلّم اللغة الإنكليزية حتى لو أدى هذا الجهد إلى تأخر تخرّجه من الجامعة دون رسوب. وبرأيه أن اللغة ستكون العامل الرئيس في كسب وظيفة محترمة، أما شرط الشهادة الجامعية فهو مثل أية ورقة تطلب في التوظيف، فيما رأت مريم أن أكبر خطأ ارتكبته أنها فوتت على نفسها فرصة تعلّم لغة أجنبية، لأن معظم الوظائف التي تقدمت لها اشترطت اللغة وإتقانها للحصول على راتب محترم.
بدورها قالت ياسمين، وهي ربة منزل تنتظر الالتحاق بزوجها في إحدى الدول الأوروبية، إنها تقوم حالياً بالخضوع لدورات مكثفة لإتقان اللغة الإنكليزية حتى تسافر، ولكن في كل ما طرحناه فقد أكد الجميع أن أسعار الدورات، ورغم كل الإعلانات والدعاية الذي تقوم به المعاهد المتخصصة، كاوية جداً وغير متناسبة مع الدخل.
عميد المعهد العالي للغات، الدكتور نايف الياسين، بيّن أن الرسوم التي يتقاضاها المعهد مقابل الدورات التي يقيمها أقل بكثير مما تتقاضاه المؤسسات التعليمية الخاصة (15 ألف ليرة للدورة حالياً)، كما يمنح حسومات خاصة لأبناء العاملين في جامعة دمشق، وللعاملين في المؤسسات الحكومية، وذوي الشهداء، والمعوقين، والطلاب الأوائل في جامعة دمشق، ضمن شروط محددة، ورغم تدني رسوم دوراته والحسومات الكثيرة التي يقدمها، فإن الإيرادات التي يحققها المعهد لجامعة دمشق تزيد عن مئة مليون ليرة سنوياً.
من جانبه يقول مدير معهد خاص للغات، جهاد أبو جابر، إن أسعار الدورات التي يضعها معهده مناسبة جداً للدخل، وهي تراعي جميع الفئات المتقدمة لإتقان اللغة الأجنبية، والمناهج المعتمدة هي من أفضل المناهج في العالم، وتم شراؤها خصيصاً لمعهده، موضحاً أن معهده هو مشروع استثماري وليس مدرسة عامة، وبالتالي الربح عامل أساسي فيه، منوّهاً بقضية جوهرية وهي ارتفاع التكاليف التي يتقاضاها المدرّسون الاختصاصيون الذين باتوا يعتقدون أنهم عملة نادرة ويجب استغلال الموقف لتحسين دخلهم.
في هذا السياق يقول الياسين: إن من أهم الصعوبات التي تعترض العمل المهني في المعهد عدم منحه المرونة الكافية لجهة تحديد أجور المدرّسين بالنظر إلى ارتفاع معدل التضخم، حيث باتت الأجور التي يستطيع المعهد دفعها غير مغرية بالنسبة للمدرّسين الذين باتوا يفضلون العمل في المعاهد الخاصة التي تدفع لهم أضعاف ما يدفع لهم المعهد، وهو ما يضعف قدرته التنافسية، علماً أن الأغلبية الساحقة من المدرّسين المتميزين في المعاهد الخاصة استقطبهم المعهد ودربهم وأهّلهم في البداية، لكنهم اختاروا في النهاية الجهة التي تدفع لهم أجراً أعلى، على الرغم من أن أحد الإنجازات التي حققها المعهد في عام 2012 هو التحول من تكليف مدرّسي اللغات الأجنبية حسب نظام الساعات، إلى نظام العقود الذي حقق درجة أكبر بكثير من الاستقرار في العمليتين التدريسية والامتحانية، وبات المتعاقد يتمتع بمزايا أكبر، منها تقاضيه راتباً شهرياً دائماً، وحصوله على العلاوات السنوية أسوة بغيره من المدرّسين، وانتسابه إلى نقابة المعلمين.
ومن خلال متابعتنا لسوق تعلّم اللغات فقد رأينا أن السعي لا يقتصر فقط على تعلّم اللغة الإنكليزية الأشهر في العالم والأكثر طلباً، فقد رصدنا حالات تعلّم لغات يمكن القول إنها غير رائجة كالصينية والروسية مثلاً، حيث تقول المدرّسة هناء إن هناك إقبالاً يكاد يكون غير مسبوق على تعلّم الروسية، ربما الأمر متعلّق بالعلاقات الجيدة مع روسيا، لاسيما الاقتصادية، حيث يسعى الشباب بكثرة لتعلّم هذه اللغة طمعاً في الحصول على مورد رزق مع الشركات العاملة في سورية.
وأوضح الياسين أن معهد اللغات الحكومي يوسع حالياً عمله ليشمل تعليم عدد أكبر من اللغات، لاسيما الصينية، كاشفاً عن خطة لاستضافة معهد كونفوشيوس الصيني لتعليم اللغة الصينية، وهناك خطة أيضاً لإقامة دورات تدريب مدرّسين للاستفادة من الكفاءات والخبرات التي يتمتع بها مدرّسو المعهد، كما يسعى المعهد من خلال التعاون بين جامعة دمشق وجامعة إيطالية للتعاون في مجال تعليم اللغة الإيطالية.
في ضوء ذلك يبدو تحدي اكتساب وتعلّم لغة أجنبية دونه مصاعب كبرى للمتعلّم من جهة، وصاحب العمل من جهة ثانية، فاللغة الأجنبية أصبحت تحدياً كبيراً، وعاملاً رئيساً في سوق العمل.
ميس خليل