الرأسمالية المتوحشة وانتشار كورونا
إبراهيم أحمد
تتحوّل الأسواق أو النظام الرأسمالي إلى وحش ينهش بالبيئة والصحة والمجتمع والاقتصاد إذا ترك بغير قيود، وعندما تتوحش الرأسمالية تسيء استغلال العمالة والضعفاء والموارد، يخفّض توحش الرأسمالية الأجور إلى أدنى مستوى ممكن، ويبقي على معدلات البطالة حتى تتدنى أجور العمالة، وينتج عن التوحش تدني معايير عدالة توزيع الثروة والدخل، وارتفاع معدلات الفقر، وزيادة معدلات الجريمة، وانتشار الأمراض والتلوث والإضرار بالبيئة، كما تقود المبالغة في تدليل المنتجين إلى ظهور شراسة النظام الرأسمالي، وإلحاقه الضرر بالإنسانية، وإيقاع الأزمات، والقلاقل، والحروب، والجرائم غير الأخلاقية بشتى أصنافها، لهذا لابد من تدخل الحكومات لوضع ضوابط لتصرفات الاستغلاليين والمبتزين، ومنع تحوّل العالم إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، والحد من شراسة النظام الرأسمالي، وضمان العدالة الاجتماعية بين شرائح السكان المختلفة.
يرجع بعض منتقدي الرأسمالية انتشار فيروس كورونا كالنار في الهشيم إلى توحش النظام الرأسمالي، وعلى رأسه الأمريكي، وسعيه المستمر إلى تعظيم الأرباح مهما كانت تكاليف وخسائر الغير. حيث هوّنت إدارة ترامب وبعض الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا، في البداية من خطورة المرض، وضغط أصحاب النفوذ على الحكومات لتجنب فرض القيود، والحد من التدخل في تدفق وتنقل السلع والأشخاص داخل البلدان وحول العالم، وتقاعست بعض الحكومات عن اتخاذ إجراءات حازمة للوقاية من المرض، بل دعم بعضها فكرة تحمّل الصدمة مدفوعة بنظرية حصانة القطيع، والتضحية بحياة الآلاف من الضعفاء وكبار السن حماية للاقتصاد والمصالح الخاصة، لذلك تتحمّل الرأسمالية الشرسة هذه المسؤولية لقيامها باستغلال هذا الظرف الطارئ للحصول على مكاسب أو تعويضات غير مستحقة.
هذا الأمر مفهوم لدى الكثيرين، لأنه جرت العادة أن يرتفع جشع بعض الشركات في الأزمات عبر مطالبات منمقة ومدعومة ببراهين مزعومة عن خسائر للحصول على دعم حكومي ضخم، وبالفعل خصصت دول عديدة أموالاً طائلة لدعم الأسواق وقطاعات الأعمال، وبالتالي سيتعرّض جزء كبير من السكان لنقص حاد في الغذاء والمواد الأساسية بسبب ارتفاع معدلات البطالة وخسارة الدخل، ويرى كثيرون ضرورة تركيز الدعم للأسر التي ستعاني كثيراً من هذه الجائحة، بدلاً من كبار المنتجين الذين استغلوا الأزمة المالية العالمية عام 2008 للحصول على مبالغ هائلة من الحكومات.
من أبرز الممارسات الخاطئة للرأسمالية الجشعة استغلال الأمراض في تحقيق مكاسب وأرباح مبالغ بها، حيث يستغل بعض الباعة والشركات الظروف القاهرة، وتتضاعف أسعار مواد الوقاية من المرض كالكمامات والمطهرات من الأسواق، وظهور أسواق سوداء لها، بل يحاول كثيرون احتكار الأطعمة والمواد الأساسية لحاجة السكان، وكذلك الترويج لمنتجات وأدوية خاطئة وخطرة على الناس من أجل تحقيق أرباح فاحشة وسريعة، وهنا توجّه الاتهامات لشركات الأدوية التي تقوم بالضغط من أجل الحصول على منح ودعم لتطوير لقاحات وأدوية، بينما تعارض أي تحديد لأسعارها، أما بالنسبة للحكومات فهناك أنباء عن قيام عدد من الدول بتصرفات لاأخلاقية كالاستيلاء على مواد الوقاية والأدوية التي تخص دولاً أخرى.
إن انخفاض نمو الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية خلال الأعوام القليلة الماضية في دول كثيرة، وإيلاءه أهمية غير مناسبة، وغياب الأنظمة الصحية أو نقص فاعليتها، من أهم نتائج الرأسمالية الشرسة التي تستغل الطلب المرتفع على الرعاية الصحية لتحقيق أرباح فاحشة، لذلك نرى أنه تم توجيه الانتقادات للحكومات بعدم جاهزية أنظمتها الصحية في مواجهة الوباء، وتجنبها اختبارات الضغط على أنظمة الرعاية الصحية، ما أضعفها وجعلها عاجزة عن توفير الأجهزة والمواد والمستلزمات الطبية وقت الحاجة.