المواطن محاصر بين سيزر وسعار الأسعار وكورونا..
البعث الأسبوعية ــ كنانة علي
يأتي السيناريو الجديد للحرب على سورية والمتمثل بسياسة التجويع والحصار والمقاطعة بلبوس القانون الكسيح “قيصر”، ليكمل سنوات الحرب العسكرية بمعركة اقتصادية معيشية بحتة راحت تضرب أطنابها في عمق الحياة اليومية وفي صميم لقمة المواطن ودوائه ومستلزمات صموده وهو الخارج من طاحونة التدمير والقتل بهدية صاعقة من قبيل “سيزر الأمريكي” الذي يدعي أنه يستهدف الدولة والكيانات والأفراد والهيئات، في حين تظهر كل المؤثرات والانعكاسات على مواطن وضعه الأعداء في وجه المدفع يقارع الموت بإرهاب أعمى وبالقلة المتعبة في أذرع تخنق ببطء بدخان حرائق تحصد المحاصيل والأرزاق وسلوكيات تضرب الليرة في مقتل والقطاعات الإنتاجية والخدمية في مصير مجهول.
لاشك أن ما يحصل من وقائع اقتصادية تتعلق بسعير الأسعار وربط كل ما يوجد بالأسواق من مواد ومنتجات بتحليق الدولار يظهر مدى الوضع المتأزم الذي وصل إليه المجتمع المحلي بكافة شرائحه ووقوعه بين نيران الإجراءات الأمريكية التي تتناول عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف بشكل أساسي عملية إعادة الإعمار، وتجار يشتغلون من الداخل في سياق زعزعة الاستقرار وضرب الاقتصاد الوطني، في وقت تأتي تجليات جائحة كورونا لتزيد الطين بلة.
ندرك أن الوضع المعيشي لغالبية السوريين يدخل ضمن خط الفقر، كما أن غالبية المواطنين يعملون بقوتهم اليومي، ومع الإجراءات الحكومية لجهة فرض حظر التجول، ومنع التجمعات وتقيد الحركة بين المحافظات، عمقت آلام الكثيرين، رغم إدراكهم أن كل هذه الإجراءات هي في صالحهم، فالدولة التي عانت على مدى تسع سنوات من حرب بعناوين ومفردات كثيرة، تمكنت حتى اللحظة من الحد من ظهور هذا الوباء على أراضيها، نظراً لحالة الحرب، فإن الأراضي السورية لا تستقبل الكثير من الوفود الدولية والإقليمية، إلا في الأطر الضيقة، وبالتالي هناك حركة محدودة للقادمين من الخارج.
وسورية شأنها شأن الكثير من الدول، اتخذت إجراءات وقرارات مانعة لتفشي الفيروس، لا سيما القادمين مع اتخاذ أقصى الإجراءات الطبية الوقائية، ما ساهم في الحد من تفشي الفايروس، مع حجر الإصابات التي يُشك بها، ريثما تتضح الحالة الصحية للشخص المُصاب، ومع ذلك لا يمكن نفي معاناة المواطن من إجراءات الحصار الاقتصادي ضده، مع استمرار الحرب عليه بات يُعاني أيضاً من ضائقة اقتصادية خانقة، وهذا الأمر لا ينفي مسؤولية الحكومة عن التقصير في بعض تفاصيل هذا الواقع، على الرغم من توجيهات السيد الرئيس المتعلقة بتحسين معيشة المواطن، والعمل على تقديم خدمات جيدة بل وممتازة في أغلب المجالات، إلا أن البيروقراطية والفساد هما من أكثر العوامل التي عمّقت أزمات المواطن، حتى بات بين سندان الحروب عليه وتداعياتها الاقتصادية، ومطرقة الإجراءات الحكومية التي لم تُعدل مستوى الحياة.
في هذا الإطار يمكن القول أن الدولة ورغم فقدان الكثير من مقومات الاقتصاد، إلا أن الكثير من الخدمات لا تزال تُقدم، ولا زال الدعم الحكومي يُقدم لقطاعات عديدة، وإلا ما تفسير صمود الشعب رغم سنوات الحرب عليه.
أزمات كثيرة تعصف بالمواطن جراء الحرب من جهة، والآن بسبب كورونا والحصار والمقاطعة من جهة ثانية، فغلاء الأسعار قارب مستويات قياسية رغم توفر الكثير من المواد الغذائية محلياً، ويتم تصنيعها أيضاً محلياً، ولا حاجة لاستيرادها فهي إنتاج محلي، ولذلك لا يُمكن السماح لبعض التجار أن يقومون باستغلال الوقائع المستجدة، حيال رفع أسعار غالبية المواد الغذائية والخضروات، ولا بد من وضع النقاط على الحروف والقول صراحة، أن هناك تقصير حكومي واضح في مواجهة غلاء الأسعار، حتى بات لسان حال المواطن يقول، أنه خلال سنوات الحرب والإرهاب، لم تصل تطورات الأوضاع إلى هذا الحد من غلاء وتفشي الفساد الذي بات أخطر وأفتك من فيروس كورونا.
وما بين الإجراءات الحكومية الصارمة، وبين حال المواطن لجهة غلاء الأسعار، وتدني مستوى المعيشة بشكل عام، وإجراءات الحظر، حري الاهتمام أكثر بحال المواطنين، خاصة أن معظمهم فقد بيته ومكان عمله ووظيفته جراء الإرهاب، وبات يعمل بشكل يومي لتأمين قوت يومه، ودفع مستحقاته الشهرية، واليوم توقفت الأعمال جراء إجراءات مواجهة كورونا، وبات المواطن بين نارين، تأمين قوت يومه من جهة، والخوف من تفشي فيروس كورونا من جهة أخرى.
ويعتبر الدكتور حيان سلمان معاون وزير الكهرباء – خبير اقتصادي – أن قانون قيصر هو إرهاب اقتصادي بشكل مباشر، لتناقضه مع ميثاق الأمم المتحدة في المادة 39 و41 الناظمة لكيفية فرض العقوبات الاقتصادية على أي دولة تهدد الأمن والسلم العالمي، والقانون ليس له مرجعية حقيقية لأنه عبارة عن منشق سوري وعميل صور حوالي 55 ألف صورة ومرجعياته لا يجب الأخذ بها، وتم تجاوز هذا الموضوع من حيث الإطار الشكلي.
وفي معرض الحديث عن تأثير قانون قيصر على الاقتصاد المحلي قال سلمان: بالتأكيد سيؤثر القانون على الاقتصاد السوري وعلى الدول والشركات التي تريد التعامل مع سورية، فكل العالم شاهد معرض دمشق الدولي بحلته الأخيرة لعام 2019 والاستقدام الكبير للشركات الأوربية والغربية وغيرها، وهناك ما يكفي من روسيا والصين وبعض دول الجوار والاتفاقيات مع شنغهاي والبريكس وغيرها، وأمريكا لم تعد قادرة في ظل كسر الاقتصاد الأمريكي في فنزويلا وإيران التي وصلت سفنها وطائراتها إلى فنزويلا وروسيا والصين.
وهنا حري الحديث عن إعادة الإعمار الذي بدأ بالتوازي مع المشاريع الاقتصادية على الأرض في سورية التي انتصرت على الحرب سياسياً وعسكرياً بحقولها ومواردها الذاتية والاعتماد على الذات والخبرات الوطنية، وكمثال عملي ما قام به العمال في وزارة الكهرباء من إصلاح محطة كهرباء بانياس، وبالتالي توفير عشرات الملايين من الدولارات وكله بخبرات وموارد ذاتية وهناك محاولات عديدة من عدد كبير من القطاعات.
وفي سياق الكلام عن الآثار البنكية والمصرفية – يضيف معاون وزير الكهرباء- شكلت لجان وطنية سورية خاصة في البنك المركزي لإعادة النظر في السياسة النقدية والمالية، وهناك وفود ولجان عمل حكومية خاصة ومجتمعية للتعامل مع الزراعة التي وضعت خارطة للاستثمار فيها، مع ذلك – من وجهة نظر سلمان- يجب عدم وضع هذا الإرهاب الاقتصادي كشماعة وتعليق عليها كل الأمور، وخاصة باللغة الرقمية أن حجم التجارة الخارجية مع أمريكا محدود جداً ولا يتجاوز 500 مليون دولار قبل الحرب.
من جهته الدكتور زكوان قريط رئيس جامعة الاتحاد الخاصة وعضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد أفاد في تصريح خاص للبعث: كنا نعلم بتطبيق قانون قيصر مسبقاً وكان يجب التنبؤ بارتداداته السلبية على الوضع الاقتصادي في البلاد، وخاصة من حيث تأثيره على سعر صرف الليرة مقابل الدولار, كما أنه بالأساس هناك حصار حتى قبل تطبيق قانون قيصر، ولكن بعد صدوره بشكل رسمي أعطى ذلك ارتداد نفسي لدى المواطنين بأن الحصار قد بدأ ولكن الحصار كان قبل التوقيع على القانون.
من جهتها الحكومة تعلم توقيت التوقيع وسريانه وكان يجب الأخذ باحتياطات على مبدأ “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود” مع الاستعداد نفسياً واقتصادياً وتهيئة الأرضية وتقديم الارتياح الشعبي، وللأسف أتى تطبيق القانون وتم التأثر به والدليل انخفاض سعر الليرة مقابل الدولار، إضافة لكثرة الشائعات وارتفاع الأسعار على أرض الواقع. لذا من الممكن أن تكون الخطة التي وضعتها الحكومة لم تكن بالمستوى المطلوب.
وبرأي الدكتور قريط أن هناك فترة شهرين أو ثلاث ليأخذ ارتداد القانون وما آثره نفسياً على الشارع وإذا تدخل المصرف المركزي والفريق الاقتصادي لابد من عودة الأمور تدريجياً لما كانت عيه قبل قانون قيصر وعودة الدولار للاستقرار على عتبة 1500 لفترة ما، والتراجع لما دون 1000 وذلك بعد اضطرار المركزي لرفع التداول للتقليل من الفجوة بين سعر السوق والسعر الرسمي وامتصاص السوق السوداء وهي خطوة ذكية.
وأبدى قريط تشاؤم من ارتفاع أسعار المواد في الأسواق، حيث أن الأسعار لن تنخفض قريباً وتحتاج لوقت لحين استقرار الوضع الاقتصادي والنفسي.
وهناك حلان – بحسب قريط – الأول سريع وهو اللجوء للاستدانة والاستعانة بالدول الصديقة، والحل الثاني بعيد المدى وهو الأفضل يتمثل بالاعتماد على الذات والاهتمام بالموارد وبالزراعة أولاً، لأن سورية بلد زراعي بامتياز والاهتمام بزراعة القطن والحمضيات وغيرها لدعم الاقتصاد ومنع الاستيراد بتاتاً إلا للمواد الضرورية مع وضع قوانين صارمة بهذا الخصوص.